كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مطيع بن إياس ونسبه

صفحة 187 - الجزء 13

  منه بلاء عظيما. قال: قلت: وأيّ بلاء ألقاه من رجل أراه؟ قلت: كنت ترى رجلا يصبر عنه العاقل إذا رآه، ولا يصحبه أحد إلَّا افتضح به.

  أخبرني علي بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا أبو سعيد السكري عن محمّد بن حبيب قال: سألت رجلا من أهل الكوفة كان يصحب مطيع بن إياس عنه فقال: لا ترد أن تسألني عنه. قلت: ولم ذاك؟ قال: وما سؤالك إيّاي عن رجل كان إذا حضر ملكك⁣(⁣١)، وإذا غاب عنك شاقك، وإذا عرفت بصحبته فضحك.

  إعجاب الوليد بن يزيد بمطيع

  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال: حدّثني محمّد بن القاسم بن مهرويه قال: حدّثني عبد اللَّه بن عمرو قال: حدّثني أبو توبة صالح بن محمّد عن محمّد جبير، عن عبد اللَّه بن العباس الربيعي قال: حدّثني إبراهيم بن المهدي قال: قال لي جعفر بن يحيى: ذكر حكم الواديّ، أنه غنّى الوليد بن يزيد ذات ليلة وهو غلام حديث السنّ، فقال:

  إكليلها ألوان ... ووجهها فتّان

  وخالها فريد ... ليس لها جيران

  إذا مشت تثنّت ... كأنّها ثعبان

  / فطرب حتّى زحف عن مجلسه إليّ، وقال: أعد فديتك بحياتي. فأعدته حتى صحل صوتي⁣(⁣٢)، فقال لي:

  ويحك، من يقول هذا؟ فقلت: عبد لك يا أمير المؤمنين أرضاه لخدمتك. فقال: ومن هو فديتك؟ فقلت: مطيع بن إياس الكناني. فقال: وأين محله؟ قلت: الكوفة. فأمر أن / يحمل إليه على البريد، فحمل إليه، فما أشعر يوما إلا برسوله قد جاءني، فدخلت إليه ومطيع بن إياس واقف بين يديه، وفي يد الوليد طاس من ذهب يشرب به، فقال له:

  غنّ هذا الصوت يا واديّ. فغنّيته إياه، فشرب عليه، ثم قال لمطيع: من يقول هذا الشعر؟ قال: عبدك أنا يا أمير المؤمنين. فقال له: ادن مني. فدنا منه، فضمّه الوليد وقبّل فاه وبين عينيه، وقبّل مطيع رجله والأرض بين يديه، ثم أدناه منه حتّى جلس أقرب المجالس إليه، ثم تمّ يومه⁣(⁣٣) فاصطبح أسبوعا متوالي الأيام على هذا الصوت.

  لحن هذا الصوت هزج مطلق في مجرى البنصر، والصنعة لحكم. وقد حدّثني بخبره هذا مع الوليد جماعة على غير هذه الرواية، ولم يذكروا فيها حضور مطيع.

  حدّثني به أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: حدّثنا عليّ بن محمّد النوفلي عن أبيه قال: بلغني عن حكم الواديّ، وأخبرني الحسين بن يحيى، ومحمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قالا: حدّثنا حماد بن إسحاق قال: حدّثني أحمد بن يحيى المكي عن أمّه عن حكم الواديّ قال:

  وفدت على الوليد بن يزيد مع المغنّين، فخرج يوما إلينا وهو راكب على حمار، وعليه درّاعة وشي⁣(⁣٤)؛ وبيده عقد جوهر، وبين يديه كيس فيه ألف دينار، فقال: / من غنّاني فأطربني فله ما عليّ وما معي. فغنّوه فلم يطرب، فاندفعت وأنا يومئذ أصغرهم سنّا فغنّيته:

  إكليلها ألوان ... ووجهها فتّان


(١) كذا في ح وفي سائر النسخ: «ملك».

(٢) صحل صوته: بح.

(٣) في ح: «تمم» برسم ميمين.

(٤) س، ش «عليه» بدون واو. والدراعة، كرمانة: جبة مشقوقة المقدم.