كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مطيع بن إياس ونسبه

صفحة 190 - الجزء 13

  وزين المصر والدّار ... وزين الحيّ والنادي

  وذات المبسم العذب ... وذات الميسم البادي⁣(⁣١)

  أما باللَّه تستحيي ... ن من خلَّة حمّاد⁣(⁣٢)

  / فحمّاد فتى ليس ... بذي عزّ فتنقادي⁣(⁣٣)

  ولا مال ولا عزّ⁣(⁣٤) ... ولا حظَّ لمرتاد

  فتوبي واتّقي اللَّه ... وبتّي جبل جرّاد⁣(⁣٥)

  فقد ميّزت بالحسن ... عن الخلق بإفراد

  وهذا البين قد حمّ ... فجودي منك بالزّاد

  / - في الأوّل والثاني والسابع والثامن من هذه الأبيات لحكم الواديّ رمل.

  قال: فأخذ أصحابنا رقاعا فكتبوا الأبيات فيها، وألقوها في الطريق، وخرجت أنا فلم أدخل إليهم ذلك اليوم⁣(⁣٦)، فلما رآها وقرأها قال لهم: يا أولاد الزّنا، فعلها ابن الزانية، وساعدتموه عليّ!

  جزع حماد من هجائه

  قال: وأخذها حكم الواديّ فغنّى فيها، فلم يبق بالكوفة سقّاء ولا طحّان ولا مكار إلَّا غنّى فيها، ثم غنيت مدّة وقدمت⁣(⁣٧)، فأتاني فما سلَّم عليّ حتّى قال لي: يا ابن الزانية، ويلك أما رحمتني من قولك لها:

  أما باللَّه تستحيي ... ن من خلة حمّاد

  اجتماعهما بصاحبة مطيع وما كان في ذلك

  باللَّه قتلتني قتلك اللَّه! واللَّه ما كلَّمتني حتّى الساعة. قال: قلت: اللهم أدم هجرها له وسوء آرائها فيه، وآسفه⁣(⁣٨) عليها، وأغره بها! فشتمني ساعة. قال مطيع: ثم قلت له: قم بنا حتّى أمضي بك فأريك أختي. قال مطيع، فمضينا فلمّا خرجت إلينا دعوت قيّمة لها فأسررت إليها في أن تصلح لنا طعاما وشرابا، وعرّفتها أنّ الَّذي معي حمّاد. فضحكت ثم أخذت صاحبتي في الغناء، وقد علمت بموضعه وعرفته، فكان أوّل صوت غنت:

  أما باللَّه تستحيي ... ن من خلَّة حمّاد

  فقال لها: يا زانية! وأقبل عليّ فقال لي: وأنت يا زاني يا ابن الزانية. وشاتمته صاحبتي ساعة، ثم قامت فدخلت، وجعل يتغيّظ عليّ فقلت: أنت ترى أنّي أمرتها أن تغنّي بما غنّت؟ قال: أرى ذلك وأظنّه ظنّا، لا واللَّه، ولكنّي أتيقّنه! فحلفت له / بالطلاق على بطلان ظنه، فقالت: وكيف هذا؟ فقلت: أراد أن يفسد هذا المجلس من أفسد ذلك المجلس. فقالت: قد واللَّه فعل. وانصرفنا.


(١) الميسم: أثر الجمال والعتق، ويقال: إنها لوسيمة قسيمة.

(٢) الخلة: بالضم: الصداقة.

(٣) في الأصول: «فينقاد».

(٤) كذا وردت هذه الكلمة.

(٥) بتي: اقطعي. والجراد: جلاء آنية الصفر، كما في «القاموس».

(٦) «اليوم» ساقطة من ح.

(٧) غنيت: أقمت.

(٨) آسفه: أغضبه. وفي «التنزيل»: «فلما آسفونا انتقمنا منهم».