كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مطيع بن إياس ونسبه

صفحة 193 - الجزء 13

  ملئت جورا «وهذا العباس بن محمّد أخوك⁣(⁣١) يشهد على ذلك. ثم أقبل على العباس، فقال له:» أنشدك اللَّه هل سمعت هذا؟ فقال: نعم. مخافة من المنصور، فأمر المنصور الناس بالبيعة للمهديّ.

  قال: ولمّا انقضى المجلس، وكان العباس بن محمّد لم يأنس به، قال: أرأيتم هذا الزنديق إذ كذب على اللَّه ø ورسوله حتّى استشهدني على كذبه، فشهدت له خوفا، وشهد كلّ من حضر عليّ بأني كاذب؟! وبلغ الخبر جعفر بن أبي جعفر، وكان مطيع منقطعا إليه يخدمه، فخافه، وطرده عن خدمته. قال: وكان جعفر ماجنا، فلما بلغه قول مطيع هذا غاظه، وشقّت عليه البيعة لمحمد، فأخرج أيره ثم قال: إن كان أخي محمّد هو المهديّ فهذا القائم من آل محمّد.

  خشية أبي جعفر على ابنه جعفر من مطيع

  أخبرني عيسى بن الحسين قال: حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال: كان مطيع بن إياس يخدم جعفر بن أبي جعفر المنصور وينادمه، فكره أبو جعفر ذلك، لما شهر به مطيع في الناس وخشي أن يفسده، فدعا بمطيع وقال له: عزمت على أن تفسد ابني عليّ وتعلَّمه زندقتك؟ فقال: أعيذك باللَّه يا أمير المؤمنين من أن / تظنّ بي هذا، واللَّه ما يسمع منّي إلا ما إذا وعاه جمّله وزيّنه ونبّله! فقال: ما أرى ذلك ولا يسمع منك إلا ما يضرّه ويغرّه. فلما رأى مطيع إلحاحه في أمره قال له: أتؤمنني يا أمير المؤمنين عن غضبك حتّى أصدقك؟ قال: أنت آمن. قال: وأيّ مستصلح فيه؟ وأيّ نهاية لم يبلغها في الفساد والضّلال؟ قال: ويلك، بأيّ شيء؟ قال: يزعم أنّه ليعشق امرأة من الجنّ وهو مجتهد في خطبتها، وجمع أصحاب العزائم عليها، وهم يغرونه ويعدونه بها ويمّنونه، فو اللَّه ما فيه فضل لغير ذلك من جدّ ولا هزل ولا كفر إيمان. فقال له المنصور: ويلك، أتدري ما تقول؟ قال: الحق واللَّه أقول. فسل عن ذلك، فقال له: عد إلى صحبته واجتهد أن تزيله عن هذا الأمر، ولا تعلمه أنّي علمت بذلك حتّى أجتهد في أزالته عنه.

  إصابة جعفر بن المنصور بالصرع

  أخبرني عمي قال: حدّثني الكراني عن ابن عائشة قال:

  كان مطيع بن إياس منقطعا إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور، فدخل أبوه المنصور عليه يوما، فقال لمطيع:

  قد أفسدت ابني يا مطيع. فقال له مطيع: إنّما نحن رعيّتك فإذا أمرتنا بشيء فعلنا.

  قال: وخرج جعفر من دار حرمه فقال / لأبيه: ما حملك على أن دخلت داري بغير إذن؟ فقال له أبو جعفر:

  لعن اللَّه من أشبهك، ولعنك! فقال: واللَّه لأنا أشبه بك منك بأبيك - قال: وكان خليعا - فقال: أريد أن أتزوّج امرأة من الجنّ! فأصابه لمم، فكان يصرع بين يدي أبيه والربيع واقف، فيقول له: يا ربيع، هذه قدرة اللَّه.

  وقال المدائنيّ في خبره الَّذي ذكرته عن عيسى بن الحسين عن أحمد بن الحارث عنه: فأصاب جعفرا من كثرة ولعه⁣(⁣٢) بالمرأة الَّتي ذكر أنه يتعشّقها من الجنّ صرع، / فكان يصرع في اليوم مرّات حتّى مات، فحزن عليه المنصور حزنا شديدا، ومشى في جنازته، فلما دفن وسوّي قبره قال للربيع: أنشدني قول مطيع بن إياس في مرثية يحيى بن زياد. فأنشده:

  يا أهلي ابكوا لقلبي القرح ... وللدموع الذّوارف السّفح⁣(⁣٣)


(١) في ح: «وقال العباس بن محمّد أخوك».

(٢) يقال ولع بالشيء ولعا وولوعا بفتح الواو: لهج به واشتد حبه له.

(٣) في ح: «يا أهل بكرا».