أخبار مطيع بن إياس ونسبه
  ويطرفونه(١)، وكلهم كان يعشق ابنه أصبغ، حتى كان يوم نوروز(٢) وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح مع يحيى بن زياد، وكان يحيى قد أهدى له من الليل جداء ودجاجا وفاكهة وشرابا، فقال أبو الأصبع لجواريه: إن يحيى بن زياد يزورنا اليوم، فأعددن له كلّ ما يصلح لمثله. ووجّه بغلمان له ثلاثة في حوائجه، ولم يبق بين يديه أحد، فبعث بابنه أصبغ إلى يحيى يدعوه ويسأله التعجيل، فلما جاءه استأذن له الغلام، فقال له يحيى: قل له يدخل، وتنحّ أنت وأغلق / الباب ولا تدع الأصبغ يخرج إلا بإذني. ففعل الغلام ودخل الأصبغ، فأدّى إليه رسالة أبيه، فلما فرغ راوده يحيى عن نفسه، فامتنع، فثاوره(٣) يحيى وعاركه حتى صرعه، ثم رالم حلّ تكَّته، فلم يقدر عليها، فقطعها وناكه، فلما فرغ أخرج من تحت مصلَّاه أربعين دينار، فأعطاه إياها، فأخذها، وقال له يحيى: امض فإني بالأثر. فخرج أصبغ من عنده، فوافاه مطيع بن إياس، فرآه يتبخّر ويتطيّب ويتزيّن، فقال له: كيف أصبحت؟ فلم يجبه، وشمخ بأنفه، وقطَّب حاجبيه، وتفخّم؛ فقال له: ويحك مالك؟ نزل عليك / الوحي؟ كلمتك الملائكة؟ بويع لك بالخلافة؟
  وهو يومئ برأسه: لا لا، في كل كلامه، فقال له: كأنك قد نكت أصبغ بن أبي الأصبغ قال: إي واللَّه الساعة نكته، وأنا اليوم في دعوة أبيه. فقال مطيع: فامرأته طالق إن فارقتك أو نقبّل متاعك. فأبداه له يحيى حتى قبّله، ثم قال له: كيف قدرت عليه؟ فقال يحيى ما جرى وحدثه بالحديث، وقام يمضي إلى منزل أبي الأصبغ، فتبعه مطيع، فقال له: ما تصنع معي والرجل لم يدعك؟ وإنما يريد الخلوة. فقال: أشيّعك إلى بابه ونتحدث. فمضى معه، فدخل يحيى وردّ الباب في وجه مطيع، فصبر ساعة، ثم دقّ الباب فاستأذن، فخرج إليه الرسول، وقال له: يقول لك أنا اليوم على شغل لا أتفرّغ معه لك. فتعذّر(٤). قال: فابعث إليّ بدواة وقرطاس، فكتب إليه مطيع(٥):
  يا أبا الأصبغ لا زلت على ... كل حال ناعما متّبعا
  لا تصيّرنى في الودّ كمن ... قطع التّكَّة قطعا شنعا
  وأتى ما يشتهي لم يثنه ... خيفة أو حفظ حق ضيّعا
  لو ترى الأصبغ ملقى تحته ... مستكينا خجلا قد خضعا
  وله دفع عليه عجل ... شبق شاءك ما قد صنعا(٦)
  فادع بالأصبغ واعلم حاله ... سترى أمرا قبيحا شنعا
  قال فقال أبو الأصبغ ليحيى: فعلتها يا ابن الزانية؟ قال: لا واللَّه. فضرب بيده إلى تكَّة ابنه، فرآها مقطوعة، وأيقن يحيى بالفضيحة، فتلكأ الغلام، فقال له يحيى: قد كان الَّذي كان، وسعى بي إليك مطيع ابن الزانية، وهذا ابني وهو واللَّه أفره(٧) من ابنك، وأنا عربي ابن عربية وأنت نبطيّ ابن نبطية، فنك ابني عشر مرات / مكان المرّة الَّتي نكت ابنك، فتكون قد ربحت الدنانير، وللواحد عشرة. فضحك وضحك الجواري، وسكن غضب أبي الأصبغ، وقال لابنه: هات الدنانير يا بن الفاعلة. فرمى بها إليه، وقام خجلا، وقال يحيى: واللَّه لا أدخل مطيع الساعي ابن الزانية. فقال أبو الأصبغ وجواريه: واللَّه ليدخلنّ، فقد نصحنا وغششتنا. فأدخلناه وجلس يشرب ومعهم يحيى يشتمهم بكل لسان، وهو يضحك، واللَّه أعلم.
(١) يطرفونه: يهدون إليه الطريف.
(٢) نوروز: أوّل يوم من السنة الشمسية. وعند الفرس عند نزول الشمس أو الحمل.
(٣) ثاوره: واشه.
(٤) تعذر: اعتذر واحتج لنفسه.
(٥) في الأصول: «فكتب إليه الإصبع».
(٦) شاءك: حزنك. وفي الأصول «شاك».
(٧) الفاره من الناس: المليح الحسن.