كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مجنون بني عامر ونسبه

صفحة 341 - الجزء 2

  لابن محرز، وهو في جامع أغاني سليمان منسوب إليه.

  أنشدني الأخفش عن أبي سعيد السّكَّريّ عن محمد بن حبيب للمجنون

  فو اللَّه ثم اللَّه إنّي لدائب ... أفكَّر ما ذنبي إليها وأعجب

  وواللَّه ما أدري علام قتلتني ... وأيّ أموري فيك يا ليل أركب

  أأقطع حبل الوصل فالموت دونه ... أم اشرب رنقا⁣(⁣١) منكم ليس يشرب

  أم اهرب حتى لا أرى لي مجاورا ... أم اصنع ماذا أم أبوح فأغلب

  فأيّهما يا ليل ما ترتضينه ... فإنّي لمظلوم وإنّى لمعتب

  حجه مع أبيه إلى مكة لسلوان ليلى ودعوته هو استزادة حبها ودوامه

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال: ذكر هشام بن الكلبيّ ووافقه في روايته أبو نصر أحمد بن حاتم وأخبرنا الحسن بن عليّ قال حدّثنا ابن أبي سعد قال حدّثني عليّ ابن الصّبّاح عن هشام ابن الكلبيّ عن أبيه:

  أن أبا المجنون وأمّه ورجال عشيرته اجتمعوا إلى ليلى فوعظوه وناشدوه اللَّه والرحم، وقالوا له: إنّ هذا الرجل لهالك، وقبل ذلك ففي أقبح من الهلاك بذهاب عقله، وإنك فاجع به أباه وأهله، فنشدناك اللَّه والرحم أن تفعل ذلك، فو اللَّه ما هي أشرف منه، ولا لك مثل مال أبيه، وقد حكَّمك في المهر، وإن شئت أن يخلع نفسه إليك من ماله فعل، فأبى وحلف باللَّه وبطلاق أمّها⁣(⁣٢) إنه لا يزوّجه إيّاها أبدا، وقال: أفضح نفسي وعشيرتي وآتي ما لم يأته أحد من العرب، وأسم ابنتي بميسم فضيحة فانصرفوا عنه، وخالفهم لوقته فزوّجها رجلا من قومها وأدخلها⁣(⁣٣) إليه، فما أمسى إلا وقد بنى بها، وبلغه الخبر فأيس منها حينئذ وزال عقله جملة، فقال الحيّ لأبيه: أحجج به إلى مكة وادع اللَّه ø له، ومره أن يتعلَّق بأستار الكعبة، فيسأل اللَّه يعافيه مما به ويبغّضها إليه، فلعل اللَّه أن يخلَّصه من هذا البلاء، فحجّ به أبوه، فلما صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح: يا ليلى، فصرخ صرخة ظنّوا أنّ نفسه قد تلفت وسقط مغشيّا عليه، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم أفاق حائل⁣(⁣٤) اللون ذاهلا، فأنشأ يقول:

  صوت

  عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فاياس لا أعزّك من صبر

  إذا بان من تهوى وأصبح نائيا ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر

  وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيّج أطراب⁣(⁣٥) الفؤاد وما يدري


(١) رنقا: كدرا.

(٢) كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «بطلاق امرأته».

(٣) كذا في أغلب النسخ. وفي ح: «وأخرجها إليه». وفي ت: وأرحلها إليه.

(٤) حائل اللون: متغيره.

(٥) كذا في جميع الأصول، والأطراب: جمع طرب وهو خفة تعتري الشخص من شدّة الفرح أو الحزن. والذي في «ديوانه» وكتاب «الشعر والشعراء»: «أحزان».