أخبار مجنون بني عامر ونسبه
  دعا باسم ليلى غيرها فكأنّما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
  دعا باسم ليلى ظلَّل اللَّه سعيه ... وليلى بأرض عنه نازحة قفر
  الغناء لعريب خفيف ثقيل - ثم قال له أبوه: تعلَّق بأستار الكعبة واسأل اللَّه أن يعافيك من حبّ ليلى، فتعلَّق بأستار الكعبة وقال: اللهم زدني لليلى حبّا وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا، فهام(١) حينئذ واختلط فلم يضبط.
  قالوا: فكان يهيم في البرّيّة مع الوحش ولا يأكل إلا ما ينبت في البرّيّة من بقل ولا يشرب إلا مع الظباء إذا وردت مناهلها، وطال شعر جسده ورأسه والفته الظباء والوحوش فكانت لا تنفر منه، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشأم، فإذا ثاب إليه عقله سأل من يمرّ به من أحياء العرب عن نجد، فيقال له: وأين(٢) أنت من نجد! قد شارفت الشأم! أنت في موضع كذا، فيقول: فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه ويعرضون عليه أن يحملوه أن يكسوه فيأبي، فيدلَّونه على طريق نجد فيتوجّه نحوه.
  أخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ قال حدّثنا العمريّ عن الهيثم بن عديّ وأخبرنا حبيب بن نصر المهلَّبيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال ذكر الهيثم بن عديّ عن أبي مسكين قال:
  / خرج منّا فتى حتى إذا كان ببئر ميمون(٣) إذا جماعة فوق بعض تلك الجبال، وإذا(٤) معهم فتى أبيض طوال(٥) جعد(٦) كأحسن من رأيت من الرجال على هزال منه وصفرة، وإذا هم متعلَّقون به، فسألت عنه، فقيل لي: هذا قيس المجنون خرج به أبوه يستجير له بالبيت، وهو على أن يأتي به قبر رسول اللَّه ÷ ليدعو له هناك لعلَّه يكشف ما به، فإنه يصنع بنفسه صنيعا يرحمه منه عدوّه، يقول: أخرجوني لعلَّني أتنسّم صبا نجد، فيخرجونه فيتوجهون به نحو نجد، ونحن مع ذلك نخاف أن يلقي نفسه من الجبل، فإن شئت الأجر(٧) دنوت منه فأخبرته أنك أقبلت من نجد، فدنوت منه وأقبلوا عليه فقالوا له: يا أبا المهديّ، هذا الفتى أقبل من نجد، فتنفّس تنفّسة(٨) ظننت أن كبده قد انصدعت، ثم جعل يسألني(٩) عن واد واد وموضع موضع، وأنا أخبره وهو يبكي أحرّ بكاء وأوجعه للقلب، ثم أنشأ يقول:
  ألا ليت شعري عن عوارضتي قنا(١٠) ... لطول الليالي هل تغيّرتا بعدي
(١) كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «فهاج».
(٢) في ت: «أين أنت» بدون واو.
(٣) قال في ياقوت: وبئر ميمون بمكة، وقال البكريّ في «معجم ما استعجم» ص ٥٦٩: هي بئر بمكة بين البيت والحجون بأبطح مكة، وهي منسوبة إلى ميمون بن الحضرميّ حفرها في الجاهلية، وعندها توفي أبو جعفر المنصور.
(٤) كذا في ت، ح. وفي باقي النسخ: «فإذا» بالفاء.
(٥) الطوال بالضم: المفرط الطول.
(٦) كذا في ت، ح، والجعد: أن يكون الرجل معصوب الجوارح شديد الأسر والخلق غير مسترخ ولا مضطرب، وفي باقي النسخ: «جعدة» بالتاء ولم نجده في «كتب اللغة» التي بأيدينا وصفا لمذكر.
(٧) زيادة في ب، س.
(٨) في ت، ح: «تنفسا خلت أنّ كبده الخ».
(٩) في ت، ح: «يسائلني».
(١٠) في ب، س: «قبا» بالباء وهو تحريف. انظر حاشية رقم ٣ ص ٣٥٣ من الجزء الأول من «الأغاني». وقنا وعوارضة: جبلان لبني فزارة.