أخبار مطيع بن إياس ونسبه
  عنها. فأمر لي بخمسة آلاف درهم، ولا واللَّه ما كان في نفسي منها شيء، ولو كنت أحبها لم أبال إذا رجعت إليّ بمن تداولها، ولم أبال لو ناكها أهل منى كلَّهم.
  أخبرني عمي عن الحسن عن أحمد بن أبي طاهر عن عبد اللَّه بن أبي سعد عن محمّد بن الفضل الهاشمي عن سلام الأبرش قال:
  الرشيد يتداوى بالجمار ويقطع إحدى نخلتي حلوان
  لما خرج الرشيد إلى طوس هاج به الدم بحلوان، فأشار عليه الطبيب أن يأكل جمّارا(١)، فأحضر دهقان حلوان وطلب منه جمّارا، فأعلمه أن بلده ليس بها نخل، ولكن على العقبة نخلتان، فمر بقطع إحداهما. فقطعت، فأتي الرشيد بجمارتها، فأكل منها وراح(٢). فلما انتهى إلى العقبة نظر إلى إحدى النخلتين مقطوعة والأخرى قائمة، وإذا على القائمة مكتوب:
  أسعداني يا نخلتي حلوان ... وابكيا لي من ريب هذا الزمان
  أسعداني وأيقنا أنّ نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
  فاغتم الرشيد، وقال: يعزّ عليّ أن أكون نحستكما، ولو كنت سمعت بهذا الشعر ما قطعت هذه النخلة ولو قتلني الدم.
  / أخبرني الحسن بن علي قال حدّثنا الحارثي بن أبي أسامة قال حدّثني محمّد بن أبي محمّد القيسيّ عن أبي سمير عبد اللَّه بن أيوب قال:
  لما خرج المهدي فصار بعقبة حلوان استطاب الموضع فتغدّى ودعا بحسنة فقال لها: أما ترين طيب هذا الموضع؟ غنيني بحياتي حتى أشرب هاهنا أقداحا، فأخذت محكَّة كانت في يده وأوقعت على / مخدّة(٣) وغنّته:
  أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا ... إذا نام حراس النخيل جناكما
  فقال: أحسنت، ولقد هممت بقطع هاتين النخلتين - يعني نخلتي حلوان - فمنعني منهما هذا الصوت. وقالت له حسنة: أعيذك باللَّه يا أمير المؤمنين أن تكون النحس المفرق بينهما. فقال لها: وما ذاك؟ فأنشدته أبيات مطيع هذه.
  فلما بلغت إلى قوله:
  أسعداني وأيقنا أن نحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان
  قال: أحسنت واللَّه فيما قلت، إذ نبهتني على هذا، واللَّه لا أقطعهما أبدا، ولأوكلنّ بهما من يحفظهما ويسقيهما ما حييت. ثم أمر بأن يفعل، فلم يزل في حياته على ما رسمه إلى أن مات.
  نسبة هذا الصوت الَّذي غنته حسنة
  أيا نخلتي وادي بوانة حبّذا ... إذا نام حرّاس النخيل جناكما
  فطيبكما أربى على النخل بهجة ... وزاد على طول الفتاء فتاكما(٤)
(١) الجمار: شحم النخل. وفي ح: «بأكل جمار».
(٢) راح: نشط وارتاح.
(٣) في «معجم البلدان»: «على فخذه».
(٤) الفتاء: الشباب.