كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار مجنون بني عامر ونسبه

صفحة 344 - الجزء 2

  مروره بجبلي نعمان ومكثه فيهما إلى هبوب الصبا وما قاله في ذلك من الشعر أخبرني أحمد بن عبد العزيز وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالا: حدّثنا عمر بن شبّة قال قال محمد بن الحكم عن عوانة: إنه حدّثه ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا:

  إنّ أهل المجنون خرجوا به معهم إلى وادي القرى⁣(⁣١) قبل توحشه ليمتاروا⁣(⁣٢) خوفا عليه [من]⁣(⁣٣) أن يضيع أو يهلك، فمرّوا في طريقهم بجبلي نعمان⁣(⁣٤)، فقال له بعض فتيان الحيّ: هذان جبلا نعمان، وقد كانت ليلى تنزل بهما، قال: فأيّ الرياح يأتي من ناحيتهما؟ قالوا: الصّبا، قال: فو اللَّه لا أريم⁣(⁣٥) هذا الموضع حتى تهبّ الصبا، فأقام ومضوا فامتاروا لأنفسهم، ثم أتو عليه فأقاموا معه ثلاثة أيام حتى هبّت الصّبا، ثم انطلق معهم فأنشأ يقول:

  صوت

  أيا جبلي نعمان باللَّه خلَّيا ... سبيل⁣(⁣٦) الصّبا يخلص إلي نسيمها

  أجد بردها أو تشف منّي حرارة ... على كبد لم يبق إلا صميمها⁣(⁣٧)

  فإنّ الصّبا ريح إذا ما تنسّمت ... على نفس محزون⁣(⁣٨) تجلَّت همومها

  ارتحال أهل ليلى عن منازلهم وما قاله في ذلك من الشعر

  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني محمد بن الحسين⁣(⁣٩) بن الحرون قال حدّثني الكسرويّ⁣(⁣١٠) عن جماعة من الرواة⁣(⁣١١) قال:

  لما منع أبو ليلى المجنون وعشيرته من تزويجه بها، كان لا يزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم، فشكوه إلى السلطان فأهدر دمه لهم، فأخبروه بذلك فلم يرعه وقال: الموت أروح لي⁣(⁣١٢) فليتهم قتلوني، فلمّا علموا بذلك وعرفوا أنه لا يزال يطلب غرّة⁣(⁣١٣) منهم حتى إذا تفرّقوا دخل دورهم، فارتحلوا عنها وأبعدوا، وجاء المجنون عشية فأشرف


(١) وادي القرى: واد بين الشأم والمدينة كانت به قرى منظومة، وبها سمي وادي القرى. قال ياقوت: وآثار القرى إلى الآن ظاهرة إلا أنها في وقتنا هذا كلها خراب ومياهها جارية تتدفق ضائعة لا ينتفع بها أحد. انظر «معجم ياقوت» في كلمة القرى.

(٢) من الامتيار وهو جلب الطعام للبيع وغيره.

(٣) زيادة في ت، ح.

(٤) هو نعمان الأراك وهو واد بين مكة والطائف. وقيل واد لهذيل على ليلتين من عرفات.

(٥) لا أريم: لا أبرح. وفي ت: «لا أريم من هذا الموضع» وكلاهما صحيح.

(٦) كذا في ت و «تزيين الأسواق» في ترجمة المجنون ص ٧٢ طبع بولاق. وفي سائر النسخ: «نسيم الصبا».

(٧) صميمها: أصلها.

(٨) كذا في أغلب النسخ و «الديوان» وفي ت، ح، و «تزيين الأسواق»: «مهموم».

(٩) كذا في أغلب النسخ. وفي ت. ح: «الحسن».

(١٠) كذا في أغلب النسخ وفي ح: «الكردوسيّ».

(١١) كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «قالوا».

(١٢) في ت: «أروح إلى».

(١٣) غرّة: غفلة.