أخبار مجنون بني عامر ونسبه
  على دورهم فإذا هي منهم بلاقع(١)، فقصد منزل ليلى الذي كان بيتها فيه، فألصق صدره به وجعل يمرّغ خدّيه على ترابه [ويبكي](٢)، ثم أنشأ يقول، - وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له [بغير(٣) خبر] -:
  أيا حرجات(٤) الحيّ حيث(٥) تحمّلوا ... بذي سلم(٦) لا جادكنّ ربيع
  وخيماتك اللاتي بمنعرج اللَّوى ... بلين بلَّى لم تبلَّنّ ربوع
  ندمت على ما كان منّي ندامة ... كما يندم المغبون حين يبيع
  فقدتك من نفس شعاع(٧) فإنّني ... نهيتك عن هذا وأنت جميع(٨)
  فقرّبت لي غير القريب وأشرفت(٩) ... إليك ثنايا(١٠) ما لهنّ طلوع(١١)
  حديثه مع نسوة فيهن ليلى
  وذكر خالد بن جميل(١٢) وخالد بن كلثوم في أخبارهما التي صنعاها أن ليلى وعدته قبل أن يختلط أن تستزيره(١٣) ليلة إذا وجدت فرصة لذلك، فمكث مدّة يراسلها في الوفاء وهي تعده وتسوّفه(١٤)، فأتى أهلها ذات يوم والحيّ خلوف(١٥)، فجلس إلى نسوة من أهلها حجرة(١٦) منها بحيث تسمع كلامه، فحادثهنّ طويلا ثم قال:
  ألا أنشدكنّ أبياتا أحدثها في هذه الأيام؟ قلن: بلى، فأنشدهنّ:
  صوت
  يا للرّجال لهم بات يعروني ... مستطرف(١٧) وقديم كاد يبليني
(١) بلاقع: خوال، والواحد بلقع.
(٢) زيادة في ت.
(٣) زيادة في م، أ، ء.
(٤) الحرجات: جمع حرجة وهي الغيضة، وسميت كذلك لضيقها، وقيل: الشجر الملتف، وهي أيضا الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها الآكلة وهي ما رعى من المال.
(٥) كذا في ت. وفي سائر النسخ: «حين».
(٦) ذو سلم: موضع بالحجاز.
(٧) يقال: نفس شعاع إذا انتشر رأيها فلم تتجه لأمر جزم.
(٨) الجميع: ضدّ المتفرّق.
(٩) كذا في ت، ح، م و «ديوان المجنون» «والأغاني» في ترجمة قيس بن ذريح ج ٨ طبع بولاق. وفي سائر الأصول: «فأشرفت» بالفاء ومعناه ظهرت وارتفعت.
(١٠) الثنايا: جمع ثنية وهي العقبة وهي المرقى الصعب في الجبل يريد بذلك أن الوصول إلى ليلى صعب لا يستطيعه.
(١١) ستأتي هذه الأبيات في قصيدة منسوبة إلى قيس بن ذريح في ترجمته بالجزء الثامن من «الأغاني» طبع بولاق.
(١٢) كذا في أغلب النسخ. وفي ت: «خالد بن حمل» بالحاء ولم نوفق لتصحيح هذا الاسم.
(١٣) كذا في أغلب النسخ. وفيء: «أن تزوره».
(١٤) مأخوذ من كلمة سوف، كأن المماطل يقول مرة بعد مرة سوف أفعل.
(١٥) يقال: حيّ خلوف إذا غاب الرجال وأقام النساء.
(١٦) حجرة: ناحية.
(١٧) كذا في في أكثر النسخ. وفي ح: «مستطرفا وقديما بما كان يبكيني».