كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن يسير ونسبه

صفحة 271 - الجزء 14

  / أراد به يسقيانه⁣(⁣١).

  قصته مع صديق له يدعى داود

  أخبرني عمي قال حدّثنا ابن مهرويه قال وحدّثني عبد اللَّه بن محمّد بن يسير قال:

  كان لأبي صديق يقال له داود من أسمج الناس وجها وأقلَّهم أدبا، إلا أنه كان وافر المتاع، فكان القيان يواصلنه ويكثرن عنده، ويهدين إليه الفواكه والنبيذ والطيب، فيدعو بأبي فيعاشره. فهويته قينة من قيان البصرة، كانت من أحسن الناس وجها، فبعثت إلى داود برقعة طويلة جدّا تعاتبه فيها وتستجفيه وتستزيره⁣(⁣٢). فسأل أبي أن يجيبها عنه، فقال أبي: اكتب يا بنيّ قبل أن أجيب عنها:

  وابلائي من طول هذا الكتاب ... أسعدوني عليه يا أصحابي

  أسعدوني على قراة كتاب ... طوله مثل طول يوم الحساب⁣(⁣٣)

  / إنّ فيه منّي البلاء ملقّى ... ولغيري فيه الهوى والتّصابي

  وله الودّ والهوى، وعلينا ... فيه للكاتبين ردّ الجواب

  ثم ممن يا سيّدي؟ وإلى من؟ ... من هضيم الحشا لعوب كعاب⁣(⁣٤)

  وإلى من إن قلت فيه بعيب ... لم أحط في مقالتي بالصواب⁣(⁣٥)

  لا يساوي على التأمّل والتف ... تيش يوما في الناس كفّ تراب

  شعره في رثاء داود

  فقال عبد اللَّه: وكان أبي إذا انصرف من مجلس فيه داود هذا أخذه معه، فيمشي قدّامه، فإن كان في الطريق طين أو بئر أو أذى لقي داود شرّه وحذره أبي. فمات داود. وانصرف أبي ذات ليلة وهو سكران، فعثر بدكَّان⁣(⁣٦) وتلوّث بطين ودخل في رجله عظم ولقي عنتا، فقال يرثي داود:

  أقول والأرض قد غشّى وجلَّلها ... ثوب الدّجى فهو فوق الأرض ممدود⁣(⁣٧)

  وسدّ كلّ فروج الجوّ منطبقا ... وكلّ فرج به في الجوّ مسدود

  وفي الوداع وفي الإبداء لي عنت ... دون المسير وباب الدار مسدود⁣(⁣٨)

  من لي بداود في ذي الحال يرشدني؟ ... من لي بداود؟ لهفي! أين داود؟


(١) أي فلا زال الهزل والجد يسقيانه أمثال هذه السحابة في كل مجلس به فتية.

(٢) في الأصول «فبعث إلى داود برقعة طويلة جدا يعاتبه فيها ويستجفيه ويستزيده» وكله تحريف. وتستجفيه: تنسبه إلى الجفاء وتعدّ جافيا. وتستزيره: تسأله أن يزورها.

(٣) قراة، مسهّل عن قراءة.

(٤) امرأة هضيم: لطيفة الكشحين ضامرة البطن. ولعوب: حسنة الدل. وكعاب: كعب ثديها، أي نهد.

(٥) في الأصول: «بعيث» «لم أخط» وهو تصحيف وفي ب، س «من مقالتي».

(٦) الدكان: بناء يسطح أعلاه للقعود - المصطبة.

(٧) غشاها: غطاها. وجلل المطر الأرض: عمها وطبقها فلم يدع شيئا إلا غطاه.

(٨) الإبداء: الابتداء، بدأ الشيء وأبدأه: فعله ابتداء.