أخبار محمد بن يسير ونسبه
  رجلاي لم تألما نكبا كأنّهما ... قطَّا وقدّا وإدماجا مدا كان(١)
  / كأن ما بهما أخطو إذا ارتهيا ... في سكَّة من أي ذاك سماكان(٢)
  / إن تبعثا في دهاس تبعثا رهجا ... أوفى حزون ذكا فيها شهابان(٣)
  فالحمد للَّه يا عمرو الَّذي بهما ... عن العواري وعن ذا الناس أغناني
  قصة جلة التمر وشعره إلى والي البصرة في ذلك
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثنا محمّد بن داود بن الجرّاح قال حدّثني محمّد بن سعد الكرانيّ قال:
  كنّا في حلقة التّوّزيّ(٤)، فلما تقوّضت أنشدنا محمّد بن يسير لنفسه قوله:
  جهد المقلّ إذا أعطاه مصطبرا ... ومكثر من غنى سيّان في الجود(٥)
  لا يعدم السائلون الخير أفعله ... إمّا نوالي وإمّا حسن مردود(٦)
  فقلنا له: ما هذا التكارم(٧)! وقمنا إلى بيته فأكلنا من جلَّة(٨) تمر كانت عنده أكثرها وحملنا بقيّتها. فكتب إلى والي البصرة عمر بن حفص:
  يا أبا حفص بحرمتنا ... عنّ نفسا حين تنتهك(٩)
  خذ لنا ثأرا بجلَّتنا ... فبك الأوتار تدّرك(١٠)
  / كهف كفّي حين تطرحها ... بين أيدي القوم تبترك(١١)
  زارنا زور فلا سلموا ... وأصيبوا أيّة سلكوا(١٢)
(١) لم تألما نكبا، أي من نكب، يقال: نكب الحجر رجله أو ظفره نكبا إذا أصابها. قطا، في الأصول «فظا» وهو تصحيف، والقط:
القطع عرضا أو عامة. والقدّ: القطع المستطيل أو الشق طولا. والمداك، كالمدوك، وزان مبرد: مدقّ الطيب.
(٢) كذا في الأصول!
(٣) الدهاس: المكان السهل ليس برمل ولا تراب. والرهج: الغبار. والحزون: جمع حزن (بالفتح)، وهو ما غلظ من الأرض. وذكت النار تذكو: اشتدّ لهبها. والشهاب: شعلة من نار ساطعة. وفي ب، س: «إن يبعثاني دهاسا يبعثا» وفي ج: «إن يبعثاني دهاث يبعثا» وهو تحريف.
(٤) التوّزي: نسبة إلى توّز بلد بفارس؛ وهو عبد اللَّه بن محمّد بن هارون التوزي، من أئمة اللغة والنحو بالبصرة، وقرأ على الجرمي كتاب سيبويه، وتوفى سنة ٢٣٨ هـ.
(٥) قبل هذين البيتين في «الشعر والشعراء»:
ما ذا عليّ إذا ضيف تأوّبني ... ما كان عندي إذا أعطيت مجهودي
(٦) في «الشعر والشعراء»: «نوالا».
(٧) التكارم: التظاهر بالكرم وادّعاؤه.
(٨) الجلة: وعاء من خوص.
(٩) عناه: جشمه العناء وأتعبه، وعناه أيضا: حبسه حبسا طويلا. حين تنتهك، أي تنتهك حرمتنا.
(١٠) الأوتار: جمع وتر (بالكسر) وهو الثأر. تدّرك: تدرك.
(١١) الكهف: الملجأ والوزر. وابتركت السحابة: اشتد انهلالها وألحت بالمطر.
(١٢) في الأصول «فلا سلم» والصواب من «الشعر والشعراء». والزور: الزائرون.