كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار ديك الجن ونسبه

صفحة 294 - الجزء 14

  قوله في غلامه الَّذي يقال له بكر

  قال أبو الفرج: ونسخت من هذا الكتاب قال:

  كان ديك الجنّ يهوى غلاما من أهل حمص يقال له بكر، وفيه يقول وقد جلسا يوما يتحدثان إلى أن غاب القمر:

  دع البدر فليغرب فأنت لنا بدر ... إذا ما تجلَّى من محاسنك الفجر

  / إذا ما انقضى سحر الذين ببابل ... فطرفك لي سحر وريقك لي خمر⁣(⁣١)

  ولو قيل لي قم فادع أحسن من ترى ... لصحت بأعلى الصوت يا بكر يا بكر

  قال: وكان هذا الغلام يعرف ببكر بن دهمرد. قال: وكان شديد التمنّع والتصوّن، فاحتال قوم من أهل حمص فأخرجوه إلى متنزّه⁣(⁣٢) لهم يعرف بميماس، فأسكروه وفسقوا به جميعا، وبلغ ديك الجنّ الخبر فقال فيه:

  قل لهضيم الكشح ميّاس ... انتقض العهد من النّاس⁣(⁣٣)

  يا طلعة الآس الَّتي لم تمد ... إلَّا أذلَّت قضب الآس⁣(⁣٤)

  وثقت بالكأس وشرّابها ... وحتف أمثالك في الكاس⁣(⁣٥)

  وحال ميماس ويا بعد ما ... بين مغيثيك وميماس⁣(⁣٦)

  تقطيع أنفاسك في أثرهم ... وملكهم قطَّع أنفاسي⁣(⁣٧)

  لا بأس مولاي، على أنها ... نهاية المكروه والباس

  هي اللَّيالي ولها دولة ... ووحشة من بعد إيناس

  بينا أنافت وعلت بالفتى ... إذ قيل حطَّته على الرّاس

  / فاله ودع عنك أحاديثهم ... سيصبح الذّاكر كالنّاسي

  وقال فيه أيضا:

  يا بكر ما فعلت بك الأرطال ... يا دار ما فعلت بك الأيام⁣(⁣٨)


(١) بابل: مدينة بالعراق ينسب إليها السحر والخمر.

(٢) في الأصول «منتزه» وهو تصحيف. جاء في «المصباح المنير» وقال ابن قتيبة: «ذهب بعض أهل العلم في قول الناس: خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط وهو عندي ليس بغلط؛ لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد، فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل والبيوت، ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر والجنان».

(٣) هضيم الكشح: ضامر الخصر. ومياس: متبختر.

(٤) الآس: شجر عطر الرائحة. وماد يميد: تحرك وتبختر.

(٥) في الأصول «وحيف» تصحيف.

(٦) كذا في الأصول: ولا معنى له. ولعل صوابه:

... ويا بعده ... بين مغيثيك ومعاس «

ومعاس: جمع ماعس، من معس المرأة:

وطئها. أي حال ابتعادك في هذا المنتزه بين المغيثين لك وبين الفاتكين بك.

(٧) الأثر: إكثار الفحل من ضراب الناقة؛ وقد أثرها كنصر. وملكهم: من ملك العجين كضرب ملكا: أنعم عجنه. كملكه وأملكه.

(٨) في ج، ب: «بل يا دار» ولا يستقيم به الوزن. الأرطال: يعني بها أرطال الخمر. ومن تعبيرهم المألوف في هذا الصدد قولهم في الشارب: «شرب رطلا». قال أحمد بن يوسف من أبيات:

فعين الرأي أن تأتي برطل ... فتشربه وتدعو لي برطل