أخبار قيس بن عاصم ونسبه
  قال: وأغار قيس بن عاصم أيضا على اللهازم، فتبعه بنو كعب بن سعد بالنّباج وثيتل(١)، فتخوّف أن يكره أصحابه لقاء بكر بن وائل، وقد كان يتناجون(٢) في ذلك، فقام ليلا فشقّ مزادهم(٣)، لئلا يجدوا بدّا من لقاء العدوّ، فلما فعل ذلك أذعنوا بلقائهم وصبروا له، فأغار عليهم، فكان أشهر يوم يوم ثيتل لبني سعد، وظفر قيس بما شاء، وملا يديه من أموالهم وغنائمهم. وفي ذلك يقول ابنه عليّ(٤) بن قيس بن عاصم:
  /
  أنا ابن الَّذي شقّ المزاد وقد رأى ... بثيتل أحياء اللَّهازم حضّرا
  فصبّحهم بالجيش قيس بن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا(٥)
  قتاله عبد القيس
  قال: وأغار قيس أيضا ببني سعد على عبد القيس، وكان رئيس بني سعد يومئذ سنان بن خالد، وذلك بأرض البحرين، فأصابوا ما أرادوا، واحتالت عبد القيس في أن يفعل ببني تميم كما فعل بهم بالمشقّر(٦) حين أغلق عليهم بابه فامتنعوا، فقال في ذلك سوّار بن حيان:
  فيا لك من أيّام صدق أعدّها ... كيوم جؤاثى والنّباج وثيتلا(٧)
  كان رئيس بني سعد يوم الكلاب الثاني
  قال: وكان قيس بن عاصم رئيس بني سعد يوم الكلاب(٨) الثاني، فوقع بينه وبين الأهتم اختلاف في أمر عبد يغوث بن وقّاص بن صلاءة الحارثيّ حين أسره عصمة بن أبير التّيميّ / ودفعه إلى الأهتم، فرفع قيس قوسه فضرب فم الأهتم بها فهتم أسنانه؛ فيومئذ سمّي الأهتم.
  ما قاله لأولاده حين حضرته الوفاة
  أخبرنا هشام بن محمّد الخزاعيّ قال حدّثنا دماذ عن أبي عبيدة، وأخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال:
(١) في ب وس. «نبتل» وفي ج: «ثبتل» تصحيف. والنباج: موضع من البصرة على عشر مراحل. وثيتل: ماء قرب النباج، وبهما يوم من أيام العرب مشهور لتميم على بكر بن وائل كما رأيت.
(٢) يتناجون: يتسارّون.
(٣) المزادة: الراوية الَّتي يحمل فيها الماء. قال أبو عبيد: لا تكون إلا من جلدين تفأم بجلد ثالث بينهما لتتسع، سميت بذلك لمكان الزيادة.
(٤) وبه يكنى «أبا علي». وفي «معجم البلدان»: «قال قرّة بن قيس بن عاصم». وفي «العقد الفريد»: «مرة».
(٥) رواه «معجم البلدان» و «العقد الفريد»:
فصبحهم بالجيس قيس بن عاصم ... فلم يجدوا إلا الأسنة مصدرا
سقاهم بها الذيفان قيس بن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا
والذيفان، بالفتح ويكسر: السم القاتل.
(٦) المشقر: حصن عظيم بالبحرين لعبد قيس، يلي حصنا لهم آخر يقال له الصفا قبل مدينة هجر، وفيه يقول يزيد بن مفرغ الحميري:
وجاورت عبد القيس أهل المشقر
وفيه حبس كسرى بني تميم، وقد أوقع بهم فأخذ الأموال وسبى الذراريّ بمدينة هجر. لأنهم أغاروا على لطيمة (أي عير)، له فيها مسك وعنبر وجوهر كثير.
(٧) جؤائي ويقال له (جواثي وجواثاء): حصن لعبد القيس بالبحرين.
(٨) الكلاب: اسم ماء بين جبلة وشمام على سبع ليال من اليمامة. وللعرب فيه يومان مشهوران: هما الكلاب الأوّل، والكلاب الثاني.