كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار قيس بن عاصم ونسبه

صفحة 308 - الجزء 14

  حدّثنا أحمد بن الهيثم بن عديّ قال:

  / جمع قيس بن عاصم ولده حين حضرته الوفاة وقال: يا بنيّ، إذا متّ فسوّدوا كباركم، ولا تسوّدوا صغاركم فيسفّه الناس كباركم. وعليكم بإصلاح المال فإنّه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وإذا متّ فادفنوني في ثيابي الَّتي كنت أصلَّي فيها وأصوم. وإياكم والمسألة فإنّها آخر⁣(⁣١) مكاسب العبد؛ وإنّ امرأ لم يسأل إلَّا ترك مكسبه. وإذا دفنتموني فأخفوا قبري عن هذا الحيّ من بكر بن وائل؛ فقد كان بيننا خماشات⁣(⁣٢) في الجاهليّة. ثم جمع ثمانين سهما فربطها بوتر، ثم قال: اكسروها فلم يستطيعوا، ثم قال: فرّقوا. ففرّقوا، فقال: اكسروها سهما سهما، فكسروها. فقال: هكذا أنتم في الاجتماع وفي الفرقة. ثم قال:

  إنما المجد ما بنى والد الصّد ... ق وأحيا فعاله المولود

  وتمام الفضل الشجاعة والحل ... م إذا زانه عفاف وجود

  وثلاثون يا بنيّ إذا ما ... جمعتهم في النائبات العهود

  كثلاثين من قداح إذا ما ... شدّها للزمان قدح شديد

  لم تكسّر وإن تفرّقت الأس ... هم أودى بجمعها التبديد

  وذوو الحلم والأكابر أولى ... أن يرى منكم لهم تسويد

  وعليكم حفظ الأصاغر حتّى ... يبلغ الحنث الأصغر المجهود⁣(⁣٣)

  رثاء عبدة بن الطبيب له

  ثم مات؛ فقال عبدة بن الطَّبيب يرثيه:

  عليك سلام اللَّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما

  تحيّة من أوليته منك نعمة ... إذا زار عن شحط بلادك سلَّما

  فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنّه بنيان قوم تهدّما

  تمثل هشام بن عبد الملك ببيت من أبيات عبدة في رثائه

  أخبرني عبيد اللَّه بن محمّد الرازيّ قال: حدّثنا أحمد بن الحارث عن المدائني قال:

  لمّا مات عبد الملك بن مروان اجتمع ولده حوله، فبكى هشام حتى اختلفت⁣(⁣٤) أضلاعه، ثم قال: رحمك اللَّه يا أمير المؤمنين! فأنت واللَّه كما قال عبدة بن الطبيب:

  وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما


(١) جاء في «الكامل» للمبرد: «أخر بقصر الهمزة لا غير، ومن رواه بالمد أخطأ. ومعنى أخر: أدنى وأرذل». وجاء في «لسان العرب»:

«وفي الحديث: المسألة أخر كسب المرء، أي أرذله وأدناه. ويروى بالمد؛ أي إن السؤال آخر ما يكتسب به المرء عند العجز عن الكسب».

(٢) خماشات: جراحات وجنايات.

(٣) بلغ الغلام الحنث: أي الإدراك والبلوغ، أي بلغ مبلغ الرجال وجرى عليه القلم فكتب عليه الحنث (أي المعصية والإثم) والطاعة.

(٤) اختلفت: اضطربت.