أخبار قيس بن عاصم ونسبه
  فقال له الوليد: كذبت يا أحول يا مشئوم، لسنا كذلك، ولكنّا كما قال الآخر:
  إذا مقرم منّا ذرا حدّ نابه ... تخمّط فينا ناب آخر مقرم(١)
  هو وعبدة بن الطبيب
  أخبرني حبيب بن نصر المهلَّبي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثنا عليّ بن الصبّاح عن ابن الكلبيّ عن أبيه قال:
  كان بين قيس بن عاصم وعبدة بن الطَّبيب لحاء، فهجره قيس بن عاصم، ثم حمل عبدة دما في قومه، فخرج يسأل فيما تحمّله، فجمع إبلا، ومرّ به قيس بن عاصم وهو يسأل في تمام الدّية، فقال: فيم يسأل عبدة؟ فأخبر؛ فساق إليه الدية كاملة / من ماله، وقال: قولوا له ليستمتع(٢) بما صار إليه، وليسق هذه / إلى القوم. فقال عبدة:
  أما واللَّه لولا أن يكون صلحي إيّاه بعقب هذا الفعل عارا عليّ لصالحته، ولكني أنصرف إلى قومي ثم أعود فأصالحه. ومضى بالإبل ثم عاد، فوجد قيسا قد مات، فوقف على قبره وأنشأ يقول:
  عليك سلام اللَّه قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحّما
  الأبيات.
  سبب تحريمه الخمر على نفسه
  أخبرني محمّد بن مزيد بن أبي الأزهر قال حدّثنا حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال ذكر عاصم بن الحدثان وهشام بن الكلبيّ عن أشياخهما:
  أنّ قيس بن عاصم المنقريّ سكر من الخمر ليلة قبل أن يسلم، فغمز عكنة(٣) ابنته - أو قال أخته - فهربت منه. فلمّا صحا منها، فقيل له: أو ما علمت ما صنعت البارحة؟ قال: لا. فأخبروه بصنعه، فحرّم الخمر على نفسه، وقال في ذلك:
  وجدت الخمر جامحة وفيها ... خصال تفضح الرّجل الكريما
  فلا والله أشربها حياتي ... ولا أدعو لها أبدا نديما
  ولا أعطي بها ثمنا حياتي ... ولا أشفى بها أبدا سقيما
  فإنّ الخمر تفضح شاربيها ... وتجشمهم بها أمرا عظيما(٤)
  إذا دارت حميّاها تعلَّت ... طوالع تسفه الرّجل الحليما(٥)
(١) البيت لأوس بن حجر («اللسان» مادة خمط، وقرم). ومقرم: سيد، وهو في الأصل: البعير المكرم الَّذي لا يحمل عليه ولا يذلل ولكن يكون للفحلة والضراب؛ سمي به السيد الرئيس من الرجال تشبيها بالمقرم من الإبل لعظم شأنه وكرمه عندهم. وذرا نابه ذروا: انكسر حدّه أو سقط ووقع. والتخمط: الأخذ والقهر بغلبة. أراد: إذا هلك منا سيد خلفه آخر. وفي ب، س: «تحمط» وهو تصحيف.
(٢) في الأصول: «ليستنفع» وهو تحريف.
(٣) العكنة: ما انطوى وتثنى من لحم البطن سمنا.
(٤) جشم (كسمع) الأمر وتشجمه: تكلفه على مشقة، وأجشمه إياه.
(٥) حمياها: سورتها وشدتها وإسكارها. تعلى: علا في مهلة.