كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار قيس بن عاصم ونسبه

صفحة 310 - الجزء 14

  / أخبرني محمّد بن مزيد عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن عاصم بن الحدثان قال:

  قال الزّبرقان: إنّ تاجرا ديافيّا⁣(⁣١) مرّ بحمل خمر على قيس بن عاصم فنزل به، فقال قيس: اصبحني قدحا؛ ففعل.

  ثم قال له: زدني، فقال له: أنا رجل تاجر طالب ربح وخير، ولا أستطيع أن أسقيك بغير ثمن. فقام إليه قيس فربطه إلى دوحة في داره حتى أصبح، فكلَّمته أخته في أمره، فلطمها وخمش وجهها - وزعموا أنّه أرادها على نفسها - وجعل يقول:

  وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأنّ لحيته أذناب أجمال

  فلما أصبح قال: من فعل هذا بضيفي؟ قالت له أخته: الَّذي صنع هذا بوجهي، أنت واللَّه صنعته، وأخبرته بما فعل. فأعطى اللَّه عهدا ألا يشرب الخمر أبدا. فهو أوّل عربيّ حرّمها على نفسه في الجاهليّة، وهو الَّذي يقول:

  فوالله لا أحسو يد الدّهر خمرة ... ولا شربة تزري بذي اللَّبّ والفخر⁣(⁣٢)

  فكيف أذوق الخمر والخمر لم تزل ... بصاحبها حتى تكسّع في الغدر⁣(⁣٣)

  وصارت به الأمثال تضرب بعد ما ... يكون عميد القوم في السّرّ والجهر

  ويبدرهم في كلّ أمر ينوبهم ... ويعصمهم ما نابهم حادث الدّهر

  فيا شارب الصّهباء دعها لأهلها ال ... غواة وسلَّم للحسيم من الأمر

  فإنّك لا تدري إذا ما شربتها ... وأكثرت منها ما تريش وما تبري⁣(⁣٤)

  قصته مع امرأته وقد فارقته لإسلامه

  أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثني أحمد بن منصور قال أخبرني أبو جعفر المباركيّ قال أخبرني المدائني عن مسلمة بن محارب قال:

  قال الأحنف بن قيس: ذكرت بلاغة النساء عند زياد، فحدّثته أنّ قيس بن عاصم أسلم وعنده امرأة من بني حنيفة، فأبى / أهلها وأبوها أن يسلموا وخافوا إسلامها، فاجتمعوا إليها وأقسموا إنّها إن أسلمت لم يكونوا معها في شيء ما بقيت. فطالبت قيسا بالفرقة، ففارقها، فلما احتملت لتلحق بأهلها قال لها قيس: أما واللَّه لقد صحبتني سارّة، ولقد فارقتني غير عارّة⁣(⁣٥)، لا صحبتك مملولة، ولا أخلاقك مذمومة، ولولا ما اخترت ما فرّق بيننا إلَّا الموت، ولكنّ أمر اللَّه ورسوله أحقّ أن يطاع. فقالت له: أنبئت بحسبك وفضلك، وأنت واللَّه إن كنت للدّائم المحبة، الكثير المودّة، القليل اللائمة، المعجب الخلوة، البعيد النّبوة. ولتعلمنّ أنّي لا أسكن بعدك إلى زوج.

  فقال قيس: ما فارقت نفسي شيئا قطَّ فتبعته كما تبعتها.

  كان يكنى أبا عليّ

  أخبرني محمّد بن خلف بن المرزبان قال حدّثنا أحمد بن الهيثم بن فراس قال حدّثني أبو فراس قال:


(١) ديافي: نسبة إلى دياف، وهي قرية بالشام وأهلها نبط الشام، تنسب إليها الإبل والسيوف، وإذا عرّضوا برجل أنه نبطي نسبوه إليها.

(٢) يد الدهر: مدّ زمانه. وفي الأصول: «بذا الدهر» وهو تحريف.

(٣) تكسع في ضلاله: تمادى، كتسكع.

(٤) راش السهم يريشه: ألزق عليه الريش. وقولهم: فلان لا يريش ولا يبري، أي لا يضر ولا ينفع.

(٥) عرّه بمكروه: أصابه به، وعرّه: ساءه.