أخبار محمد بن حازم ونسبه
  حازم، فدخل عليه يوما وعليه ثياب بذّة(١)، وهيئة رثّة، ولم يعرّفه نفسه، وصادفهم يتكلمون في شيء من معاني الشعر، وأبو ذؤيب يتكلَّم متحققا بالعلم بذلك. فسأله محمّد بن حازم - وقد دخل عليه يوما - عن بيت من شعر الطَّرمّاح جهله، فردّ عليه جوابا محالا(٢) كالمستصغر له وازدراه، فوثب عن مجلسه مغضبا. فلمّا خرج قيل له:
  ماذا صنعت بنفسك وفتحت عليها من الشرّ؟ أتدري لمن تعرّضت؟ قال: ومن ذاك؟ قيل: محمّد بن حازم الباهليّ، أخبث الناس لسانا وأهجاهم. فوثب إليه حافيا حتى لحقه، فحلف له أنه لم يعرفه، واستقاله فأقاله، وحلف أنه لا يقبل له رفدا ولا يذكره بسوء مع ذلك أبدا، وكتب إليه بعد أن افترقا:
  أخطا وردّ عليّ غير جوابي ... وزرى عليّ وقال غير صواب
  وسكنت من عجب لذاك فزادني ... فيما كرهت بظنّه المرتاب
  وقضى عليّ بظاهر من كسرة ... لم يدر ما اشتملت عليه ثيابي
  / من عفّة وتكرّم وتحمّل ... وتجلد لمصيبة وعقاب
  وإذا الزمان جنى عليّ وجدتني ... عودا لبعض صفائح الأقتاب(٣)
  ولئن سألت ليخبرنّك عالم ... أنّي بحيث أحبّ من آداب
  وإذا نبابي منزل خلَّيته ... قفرا مجال ثعالب وذئاب(٤)
  وأكون مشترك الغنى متبدّلا(٥) ... فإذا افترقت قعدت عن أصحابي
  لكنّه رجعت عليه ندامة ... لمّا نسبت وخاف مضّ عتابي(٦)
  فأقلته لمّا أقرّ بذنبه ... ليس الكريم على الكريم بناب
  ترضاه صديق له فقال شعرا
  أخبرني حبيب بن نصر قال: حدّثنا النوفليّ قال:
  كان سعد بن مسعود القطربّليّ(٧): أبو إسحاق بن سعد صديقا لمحمد بن حازم الباهليّ، فسأله حاجة فردّه عنها، فغضب محمّد وانقطع عنه، فبعث إليه بألف درهم وترضّاه، فردّها وكتب إليه:
  /
  متّسع الصدر مطيق لما ... يحار فيه الحوّل القلَّب(٨)
  راجع بالعتبى فأعتبته ... وربّما أعتبك المذنب
(١) أي رث اللبسة.
(٢) المحال من الكلام: ما عدل به عن وجهه؛ يقال: أحال الكلام إحالة إذا أفسده.
(٣) الأقتاب: جمع قتب كجبل، وهو الإكاف الصغير على قدر سنام البعير. وصفائح الأقتاب: ألواحها.
(٤) نبا به منزله: لم يوافقه.
(٥) في الأصول «متبدلا». وقد سبقه إلى هذا المعنى جرير فقال:
وإني لعف الفقر مشترك الغنى ... سريع إذا لم أرض داري احتماليا
(٦) مض عتابي: أي حرقته وإيلامه.
(٧) قطربل: قرية شماليّ بغداد تنسب إليها الخمر، وفي ج «القطربي».
(٨) في ب، س: «منطيق». وفي ج «مطبق» وهو تحريف.