كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار محمد بن حازم ونسبه

صفحة 322 - الجزء 14

  وإن يك غير ذاك حمدت ربّي ... وزال الشكّ عن رجل حكيم⁣(⁣١)

  وما الآمال تعطفني عليه ... ولكنّ الكريم أخو الكريم

  قال: فلمّا أنشدته هذا الشعر، قال لي: بمثل هذا الشعر تلقى الأمير! واللَّه لو كان نظيرك لما جاز أن تخاطبه بمثل هذا! فقلت: صدقت، فكذلك قلت، إنني لم أمدحه بعد، ولكنني سأمدحه مدحا يشبه مثله. قال: فافعل، وأنزلني عنده / ودخل إلى الحسن فأخبره بخبري وعجبه من جودة البيت الأخير فأعجبه، فأمر بإدخالي إليه بغير مدح، فأدخلت إليه. فأمرني أن أنشد هذا الشعر، فاستعفيته فلم يعفني، وقال: قد قنعنا منك بهذا القدر إذا لم تدخلنا في جملة من ذممت، وأرضيناك بالمكافأة الجميلة. فأنشدته إيّاه؛ فضحك وقال: ويحك! ما لك وللناس تعمّهم بالهجاء؟ حسبك الآن من هذا النمط وأبق عليهم. فقلت: وقد وهبتهم للأمير. قال: قد قبلت، وأنا أطالبك بالوفاء مطالبة من أهديت إليه هدية فقبلها وأثاب عليها. ثم وصلني فأجزل وكساني. فقلت في ذلك وأنشدته:

  وهبت القوم للحسن بن سهل ... فعوّضني الجزيل من الثّواب

  وقال دع الهجاء وقل جميلا ... فإنّ القصد أقرب للثواب⁣(⁣٢)

  فقلت له: برئت إليك منهم ... فليتهم بمنقطع التّراب⁣(⁣٣)

  ولولا نعمة الحسن بن سهل ... عليّ لسمتهم سوء العذاب⁣(⁣٤)

  بشعر يعجب الشعراء منه ... يشبّه بالهجاء وبالعتاب

  أكيدهم مكايدة الأعادي ... وأختلهم مخاتلة الذّئاب⁣(⁣٥)

  بلوت خيارهم فبلوت قوما ... كهولهم أخسّ من الشّباب

  / وما مسخوا كلابا غير أنّي ... رأيت القوم أشباه الكلاب

  قال: فضحك وقال: ويحك! الساعة ابتدأت بهجائهم وما أفلتوا منك بعد. فقلت: هذه بغية طفحت على قلبي، وأنا كافّ عنهم ما أبقى اللَّه الأمير.

  شعره في صديق تغيّر عليه

  أخبرني الحسن بن عليّ الخفّاف قال حدّثنا محمّد بن القاسم بن مهرويه قال حدّثني عليّ بن الحسن الشّيبانيّ قال:

  كان لمحمد بن حازم الباهليّ صديق على طول الأيام، فنال مرتبة من السّلطان وعلا قدره، فجفا محمّدا وتغيّر له؛ فقال في ذلك محمّد بن حازم:

  وصل الملوك إلى التّعالي ... ووفا الملوك من المحال


(١) في الأصول: «جهدت» وهو تصحيف. وفيها أيضا «حليم» وهو تصحيف.

(٢) القصد: استقامة الطريق.

(٣) بمنقطع التراب: أي بالمكان النائي الموحش الَّذي انقطع وطء ترابه واجتيازه، أو القبر.

(٤) في الأصول: «سوم العذاب» تحريف.

(٥) ختله كضرب ونصر: خدعه.