أخبار أبي الأسد ونسبه
  الحاجة، ويمدح حمدون بن إسماعيل:
  صنع من اللَّه! أنّي كنت أعرفكم ... قبل اليسار وأنتم في التّبابين(١)
  فما مضت سنة حتّى رأيتكم ... تمشون في القزّ والقوهيّ واللَّين(٢)
  وفي المشاريق ما زالت نساؤكم ... يصحن تحت الدّوالي بالوراشين(٣)
  / فصرن يرفلن في وشي العراق وفي ... طرائف الخزّ من دكن وطاروني(٤)
  أنسين قطع الحلاوى من معادنها ... وحملهنّ كشوثا في الشّقابين(٥)
  حتى إذا أيسروا قالوا - وقد كذبوا -: ... نحن الشّهاريج أولاد الدّهاقين(٦)
  في است أمّ ساسان أيرى إن أقرّبكم ... وأير بغل مشظَّ في است شيرين(٧)
  / لو سيل أوضعهم قدرا وأنذلهم ... لقال من فخره إنّي ابن شوبين(٨)
(١) التبابين: جمع تبان كرمان، وهو سراويل صغار مقدار شبر يستر العورة المغلظة فقط يكون للملاحين.
(٢) القز: الحرير. والقوهيّ: ضرب من الثياب بيض، نسبة إلى قوهستان (بضم القاف وكسر الهاء) وهي كروة بين نيسابور وهراة، ومدينة بكرمان. واللين أي لين العيش وخفضه ونعومته، واللين أيضا اسم قرية بمرو، وقرية بين الموصل ونصيبين، ولعلها كانت مشهورة بضرب من الثياب ينسب إليها فيقال الليني، كالقوهيّ المنسوب إلى قوهستان، وعليه يكون صواب الكلمة «والليني».
(٣) المشاريق: جمع مشراق كمحراب، أو مشريق كمنديل، وهو موضع القعود في الشمس بالشتاء كالمشرقة مثلثة الراء. والدوالي جمع دالية، وهي الدولاب يستقى عليه، والناعورة. والوراشين: جمع ورشان محركة، وهو طائر شبه الحمامة. ومن أمثال أهل العراق:
«بعلة الورشان، تأكل الرطب المشان» - وفي «الصحاح»: تأكل رطب المشان بالإضافة، قال: ولا تقل الرطب المسان - والمشان (كغراب وكتاب) من أطيب الرطب. يضرب لمن يظهر شيئا والمراد منه شيء آخر.
(٤) رفلت: جرت ذيلها وتبخترت أو خطرت بيدها. والوشي: نقش الثوب. والخز: الحرير، وفي الأصول «طوائف» وهو تحريف.
ودكن: جمع أدكن ودكناء. والدكنة: لون إلى السواد. والطاروني: ضرب من الطرن (بالضم) وهو الخز. وفي الأصول «وطارون» وهو تحريف.
(٥) في الأصول «الحلانى» ولم أعثر عليه، وأرى صوابه «الحلاوى» وهي: نبتة زهرتها صفراء ولها شوك كثير وورق صغير مستدير، والجمع الحلاوى أيضا والحلاويات، وروى عن الأصمعي في باب فعالي (بالضم والقصر) خزامى ورخامى وحلاوى، كلهن نبت.
ومن معادنها: من منابتها، والكشوث (بالفتح وبضم): نبات أصفر يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض، ويجعل في النبيذ، وفي الأصول «كثوثا» وهو تحريف، ويقال في مولد الأمثال لمن كان ذليلا: «هو كشوث الشجر»؛ قال الشاعر:
هو الكشوث فلا أصل ولا ورق ... ولا نسيم ولا ظل ولا ثمر
(انظر «اللسان» و «مجمع الأمثال» للميداني في المثل: «أذل من فقع بقرقرة»، والشقبان بالضم: شباك يسويها الحشاشون (الذين يقطعون الحشيش) من الليف والخوص، تجعل لها عرى واسعة يتقلدها الحشاش فيضع فيها الحشيش. ويقال فيه «شكبان» أيضا.
(٦) الشهاريج: وجوه القوم وأعيانهم، جمع شهرج، وأصلها بالفارسية جهره ومعناها: الوجه. والدهاقين: جمع دهقان بالكسر والضم، وهو رئيس الإقليم، معرب.
(٧) ساسان، هو ساسان الأكبر أبو أردشير بابك رأس الدولة الساسانية الَّتي حكمت فارس من سنة ٢٠٢ م إلى سنة ٦٣٦ م، وكان آخر أكاسرتها يزدجرد الثالث الَّذي فتح العرب في عهده بلاد فارس. وشيرين، زوجة برويز ملك الفرس الَّذي حكم من سنة ٥٩١ إلى سنة ٦٢٧ م وكانت زوجته المحبوبة المقربة إليه، وكان حبه لها مضرب الأمثال في الوفاء والإخلاص، ومادة دسمة لأدباء الفرس وشعرائهم الروائيين، وشظ وأشظ: إذا أنعظ حتى يصير متاعه كالشظاظ (والشظاظ ككتاب: خشبة محددة الطرف تدخل عروتي الجوالقين لتجمع بينهما عند حملهما على البعير). وفي الأصول: «مشط» وهو تصحيف.
(٨) سال يسأل كخاف يخاف لغة في سأل. وشوبين: هو بهرام جوبين، وكان صاحب الجيش لدى هرمز بن أنوشروان العادل، وقد سعى بينهما سعاة السوء حتى أفسدوا ذات بينهما، واعتدى هرمز على قائده وظل يوبخه ويستهزئ به حتى اضطره إلى الخروج عليه. وقد جرت بين جوبين وبين هرمز ثم ابنه خسرو بروير حروب انتهت بانهزام جوبين وفراره إلى الترك وقتله هناك.