أخبار أبي الأسد ونسبه
  /
  تولَّى الموصليّ فقد تولَّت ... بشاشات المزاهر والقيان(١)
  وأيّ ملاحة بقيت فتبقى ... حياة الموصليّ على الزّمان!(٢)
  ستبكيه المزاهر والملاهي ... ويسعدهنّ عاتقة الدّنان(٣)
  وتبكيه الغويّة إذ تولَّى ... ولا تبكيه تالية القران(٤)
  / فقيل له: ويحك فضحته وقد كان صديقك. فقال: هذه فضيحة عند من لا يعقل، أما من يعقل فلا. وبأيّ شيء كنت أذكره وأرثيه به؟ أبالفقه أم بالزّهد أم بالقراءة؟ وهل يرثى إلَّا بهذا وشبهه!
  هجاؤه شاهين ابن أخي أبي دلف
  قال أبو الفرج: نسخت من كتاب لأحمد بن عليّ بن يحيى، أخبرني أبو الفضل الكاتب وهو ابن خالة أبي عمرو الطَّوسيّ قال:
  كنت مقيما بالجبل(٥) فمرّ بي أبو الأسد الشاعر الشّيبانيّ، فأنزلته عندي أياما، وسألته عن خبره فقال:
  صادفت شاهين بن عيسى ابن أخي أبي دلف، فما احتبسني ولا برّني ولا عرض عليّ المقام عنده، وقد حضرني فيه أبيات فأكتبها، ثم أنشدني:
  إنّي مررت بشاهين وقد نفحت ... ريح العشيّ وبرد الثّلج يؤذيني(٦)
  فما وقى عرضه منّي بكسوته ... لا بل ولا حسب دان ولا دين
  إن لم يكن لبن الدّايات غيّره ... عن طبع آبائه الشّمّ العرانين(٧)
  ضفربّما غاب بعل عن حليلته ... فناكها بعض سوّاس البراذين(٨)
  وما تحرّك أير فامتلأ شبقا ... إلَّا تحرّك عرق في است شاهين(٩)
  / ثم قال: لأمزّقنّه كلّ ممزّق، ولأصيرنّ إلى أبي دلف فلأنشدنّه. ومضى من فوره يريد أبا دلف، فلم يصل إليه، حتى بلغ أبا دلف الشعر، فشقّ عليه وغمّه. وأتاه أبو الأسد فدخل عليه، فسأله عن قصّته مع شاهين، فأخبره بها؛ فقال: هبه لي. قال: قد فعلت. وأمر له بعشرة آلاف درهم، فأمسك عنه.
  قال أبو الفرج: هذا البيت الأخير لبشّار كان عرض له فقال:
(١) المزاهر: جمع مزهر كمنبر، وهو العود يضرب به.
(٢) في الأصول «فلاحة» وهو تحريف.
(٣) خمر معتقة وعتيق وعتيقة وعاتق: لم يفض أحد ختامها أو قديمة حبست زمانا في ظرفها.
(٤) الغوية: المرأة الضالة. والقران: مسهل القرآن.
(٥) بلاد الجبل: بأرض فارس.
(٦) في الأصول «لفحت» واللفح لكل حار من الرياح، والنفح لكل بارد.
(٧) الدايات: جمع داية، جاء في «اللسان»: الداية: العاثر حكاه ابن جني، قال: كلاهما عربي فصيح وأنشد للفرزدق:
ربيبة دايات ثلاث رببنها ... يلقمنها من كل سخن ومبرد
(٨) البعل: الزوج. والحليلة: الزوجة.
(٩) الشبق: شدّة الغلمة وطلب النكاح.