أخبار علي بن الخليل
  وولَّى اللهو والقينات عنّي ... كما ولَّى عن الصبح الظلام
  حلبت الدهر أشطره فعندي ... لصرف الدهر محمود وذام(١)
  مدحه معن بن زائدة
  أخبرني عليّ بن سليمان الأخفش، قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن الحرون، عن عليّ بن عبيدة الشيباني، قال: دخل عليّ بن الخليل ذات يوم إلى معن بن زائدة / فحادثه وناشده، ثم قال له معن: هل لك في الطعام؟
  قال: إذا نشط الأمير، فأتيا بالطعام، فأكلا، ثم قال: هل لك في الشراب؟ قال: إن سقيتني ما أريد شربت، وإن سقيتني من شرابك فلا حاجة لي فيه، فضحك ثم قال: قد عرفت الَّذي تريد، وأنا أسقيك منه، فأتي بشراب عتيق، فلما شرب منه وطابت نفسه أنشأ يقول:
  يا صاح قد أنعمت إصباحي ... ببارد السّلسال والراح(٢)
  قد دارت الكأس برقراقة ... حياة أبدان وأرواح(٣)
  تجري على أغيد ذي رونق ... مهذّب الأخلاق جحجاح(٤)
  ليس بفحّاش على صاحب ... ولا على الراح بفضّاح
  تسرّه الكأس إذا أقبلت ... بريح أترجّ وتفّاح(٥)
  / يسعى بها أزهر في قرطق ... مقلَّد الجيد بأوضاح(٦)
  كأنها الزّهرة في كفّه ... أو شعلة في ضوء مصباح
  هجاؤه لدهقان
  حدّثنا عليّ بن سليمان الأخفش قال: حدّثنا محمّد بن يزيد قال: كان لعلي بن الخليل الكوفي صديق من الدّهاقين يعاشره ويبرّه، فغاب عنه مدّة طويلة / وعاد إلى الكوفة وقد أصاب مالا ورفعة، وقويت حاله، فادعى أنه من بني تميم، فجاءه عليّ بن الخليل فلم يأذن له، ولقيه فلم يسلَّم عليه، فقال يهجوه:
  يروح بنسبة المولى ... ويصبح يدّعي العربا
  فلا هذا ولا هذا ... ك يدركه إذا طلبا
  أتيناه بشبّوط ... ترى في ظهره حدبا(٧)
(١) أشطره: أي أشطر الدهر. والمعنى أنه اختبر حالات الدهر: خيره وشره فعرف ما فيه، وهو مثل يضرب فيمن جرب الدهر. والذام:
الذم.
(٢) خمر سلسال: لينة.
(٣) كل شيء له بصيص وتلألؤ فهو رقراق، وأراد بالرقراقة هنا الخمر.
(٤) غيد كفرح فهو أغيد: مالت عنقه ولانت أعطافه، والجحجح والجحجاح: السيد.
(٥) في الأصول: «فسره» وهو تحريف.
(٦) القرطق (بضم القاف وفتح الطاء وقد تضم): لباس من ملابس العجم يشبه القباء، معرب كرته. والأوضاح: جمع وضح كسبب، وهو حليّ من الفضة.
(٧) الشبوط بالفتح يضم: سمك دقيق الذنب، عريض الوسط، صغير الرأس.