أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  الزبير، وكان ابن أم الحكم يميل إلى أهل القاتل، فغضب عليه عبد الرحمن وردّه عن الوفد من منزل يقال له فيّاض، فخالف ابن الزبير الطريق إلى يزيد بن معاوية، فعاذ به، فأعاذه وقام بأمره، وأمره(١) يزيد بأن يهجو ابن أمّ الحكم، وكان يزيد يبغضه وينتقصه ويعيبه، فقال فيه ابن الزبير قصيدة أوّلها قوله:
  أبى الليل بالمرّان أن يتصرّما ... كأني أسوم العين نوعا محرّما(٢)
  / وردّ بثنييه كأن نجومه ... صوار تناهى من إران فقوّما(٣)
  إلى اللَّه أشكو لا إلى الناس أنني ... أمصّ بنات الدر ثديا مصرّما(٤)
  وسوق نساء يسلبون ثيابها ... يهادونها همدان رقّا وخثعما(٥)
  على أي شيء يا لؤيّ بن غالب ... تجيبون من أجرى عليّ وألجما(٦)
  وهاتوا فقصّوا آية تقرؤنها ... أحلَّت بلادي أن تباح وتظلما
  وإلَّا فأقصى اللَّه بيني وبينكم ... وولَّى كثير اللؤم من كان ألأما(٧)
  وقد شهدتنا من ثقيف رضاعة ... وغيّب عنها الحوم قوّام زمزما(٨)
  / بنو هاشم لو صادفوك تجدّها ... مججت ولم تملك حياز يمك الدما(٩)
  ستعلم إن زلَّت بك النعل زلة ... وكلّ امرئ لاقي الَّذي كان قدّما
(١) في ب، س «وأمر».
(٢) مران: موضع على ليلتين من مكة على طريق البصرة. يتصرم: ينقضي. أسوم: أكلف.
(٣) ثنيا الحبل: طرفاه. الصوار ككتاب وغراب: القطيع من البقر. تناهى الشيء: بلغ نهايته. الإران: النشاط. فقوّما: جاء في كتب اللغة: قامت به دابته: إذا كلت وأعيت فوقفت ولم تسر، ومنه قوله تعالى: {وإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا} أي وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدّمين ولا متأخرين، ولعل «قوّم» في البيت من ذاك، فهي مضعف قام بهذا المعنى، والتضعيف للتكثير كما في طوّف وجوّل وموّت وحوّم ...
(٤) الدر: اللبن. ويقال: ناقة مصرمة، وذلك أن يقطع ضرعها فلا يخرج اللبن، وهو أقوى لها، أو أن يصيب ضرعها شيء فيكوى بالنار فلا يخرج منه لبن أبدا. ثديا: بدل من بنات الدر، أي أمص بنات الدر ثديا مصرما منها.
(٥) في ب وس «تهب دونها» وفي ج «تهبدونها» بوصل الكلمتين ولعل الصواب ما أثبتنا. يهادونها أي يهدونها. الرق: العبودية.
همدان وخثعم: قبيلتان كبيرتان من عرب اليمن من بني كهلان. والمعنى: يهدونهنّ رقيقات إلى همدان وخثعم.
(٦) لؤي بن غالب: يعني معاوية وعشيرته، فهو معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش. أجرى أي أجرى الخيل للغارة عليّ.
(٧) فأقصى أي أبعد. وفي الأصول «فأقضى» وهو تصحيف.
(٨) قوّام أي القائمون على زمزم، المتولون سقاية الحاج منها، وزمزم: بئر بمكة أنبع اللَّه عينها لإسماعيل وأمه هاجر حين أسكنهما إبراهيم مكة، ثم طمت تلك البئر وما زالت مطمومة إلى زمن عبد المطلب بن هاشم، فأتاه آت وهو نائم بالحجر فأمره بحفرها فحفرها وأقام سقاية زمزم للحاج، وكانت السقاية في الجاهلية بيد ابنه أبي طالب، ثم سلمها إلى أخيه العباس.
يقول: إن لنا رضاعة في ثقيف - وقد كان والد عبد الرحمن المذكور من ثقيف كما سيأتي بعد - أي أنه يجمعني وإياك أخوة رضاعة وصلة ماسة كان جديرا بك أن تقدّرها وترعاها، ثم عطف فقال: وقد نفى الدنس والنقص عن تلك الرضاعة أشراف بني هاشم القائمون على زمزم.
(٩) تجدها: تقطعها. صادفه: وجده ولقيه، مججت: من مجّ الشراب من فيه: رماه. حيازيم. جمع حيزوم: وهو وسط الصدر وما يضم عليه الحزام. يقول: إن بني هاشم لو وجدوك تقطع هذه العلاقة الَّتي تربطني بك، أي لو وجدوك تعدو عليّ ولا ترعى حتى صلتي بك لأراقوا دمك ولم تشدد حيازيمك حيالهم.