أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  هجاه، فهدم داره، فأتى معاوية فشكاه إليه، فقال له: كم كانت قيمة دارك؟ فاستشهد أسماء بن خارجة، وقال له:
  سله عنها؛ فسأله؛ فقال: ما أعرف يا أمير المؤمنين قيمتها، / ولكنه بعث إلى البصرة بعشرة آلاف درهم للساج(١)، فأمر له معاوية بألف(٢) درهم، قال: وإنما شهد له أسماء كذلك ليرفده(٣) عند معاوية، ولم تكن داره إلَّا خصاص قصب.
  وكان عبد الرحمن بن أمّ الحكم لمّا ولي الكوفة أساء بها السيرة، فقدم قادم من الكوفة إلى المدينة، فسألته امرأة عبد الرحمن عنه، فقال لها: تركته يسأل إلحافا، وينفق إسرافا، وكان محمّقا(٤)، ولاه معاوية خاله عدّة أعمال، فذمّه أهلها وتظلَّموا منه، فعزله وأطرحه(٥)، وقال له: يا بنّي، قد جهدت أن أنفّقك(٦) وأنت تزداد كسادا.
  / وقالت له أخته أمّ الحكم بنت أبي سفيان بن حرب: يا أخي، زوّج ابني بعض بناتك؛ فقال: ليس لهنّ بكفء؛ فقالت له: زوّجني أبو سفيان أباه، وأبو سفيان خير منك، وأنا خير من بناتك، فقال لها: يا أخيّة، إنما فعل ذلك أبو سفيان لأنه كان حينئذ يشتهي الزّبيب، وقد كثر الآن الزبيب(٧) عندنا، فلن نزوّج إلَّا كفئا.
  خبره مع عمرو بن عثمان بن عفان
  حدّثنا الحسن بن الطيّب البلخي قال: حدّثني أبو غسّان قال: بلغني أن أوّل من أخذ بعينة(٨) في الإسلام عمرو بن عثمان بن عفّان، أتاه عبد اللَّه بن الزّبير الأسدي، فرأى عمرو تحت ثيابه ثوبا رثّا، فدعا وكيله وقال:
  اقترض لنا مالا؛ فقال: هيهات! / ما يعطينا التجار شيئا. قال: فأربحهم(٩) ما شاؤوا، فاقترض له ثمانية آلاف درهم، وثانيا عشرة آلاف، فوجّه بها إليه مع تخت(١٠) ثياب، فقال عبد اللَّه بن الزبير في ذلك:
(١) الساج: خشب يجلب من الهند، أسود رزين يشبه الآبنوس، وهو أقل سوادا منه، ولا تكاد الأرض تبليه.
(٢) هكذا في الأصول. وهو غير ظاهر؛ وقد تكررت هذه القصة في آخر الترجمة، وفيها: ... أعطاني عشرين ألف درهم وسألني أن أبتاع له بها ساجا من البصرة ففعلت ... وأمر معاوية له بها».
(٣) الإرفاد: الإعانة.
(٤) أي ينسب إلى الحمق. وفي ب، س «وكان مخفا» وهو تحريف، والتصويب عن ط.
(٥) جاء في «تاريخ الطبري» ٦: ١٧٤ «استعمله معاوية على الكوفة فأساء السيرة فيهم فطردوه، فلحق بمعاوية وهو خاله، فقال له:
أوليك خيرا منها، مصر، فولاه فتوجه إليها، وبلغ معاوية بن حديج الخبر، فخرج فاستقبله على مرحلتين من مصر فقال: ارجع إلى خالك فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة، فرجع إلى معاوية، وأقبل معاوية بن حديج وافدا، وكان إذا جاء صربت له قباب الريحان، فدخل على معاوية وعنده أم الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: بخ، هذا معاوية بن حديج، قالت: لا مرحبا به «تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه» فقال: على رسلك يا أم الحكم، أما واللَّه لقد تزوّجت فما أكرمت، وولدت فما أنجبت، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة، ما كان اللَّه ليريه ذلك، ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطأطئ منه، وإن كره ذلك الجالس، فالتفت إليها معاوية فقال: كفى.
(٦) جهد كمنع: جدّ. ونفق السلعة: روّجها.
(٧) تقدّم أن أبا عبد الرحمن من ثقيف، وكانت ثقيف تنزل بالطائف، وفي الطائف تكثر البساتين وكروم العنب، ولذا كان الزبيب فيها كثيرا، وقد ذكروا أن الحجاج الثقفي كان أوّل أمره يبيع الزبيب بالطائف. يقول: حسبنا ما كان من مصاهرة أبي سفيان ثقيفا، ولسنا نرغب بعد في مصاهرتهم.
(٨) العينة: الربا.
(٩) في ج: «فأربحوا» وهو تحريف.
(١٠) التخت: وعاء تصان فيه الثياب.