أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه
  أخبرني عمّي عن ابن مهرويه، عن أبي مسلم، عن ابن الأعرابيّ قال: حبس ابن أمّ الحكم عبد اللَّه بن الزّبير وهو أمير في جناية وضعها عليه، وضربه ضربا مبرّحا لهجائه إيّاه، فاستغاث بأسماء بن خارجة، فلم يزل يلطف في أمره، ويرضي خصومه ويشفع إلى ابن أمّ الحكم في أمره حتى يخلَّصه، فأطلق(١) شفاعته، وكساه أسماء ووصله وجعل له ولعياله جراية(٢) دائمة من ماله، فقال فيه هذه القصيدة الَّتي أوّلها الصوت المذكور بذكر أخبار ابن الزّبير، يقول فيها:
  ألم تر أنّ الجود أرسل فانتقى ... حليف صفاء وأتلى لا يزايله(٣)
  تخيّر أسماء بن حصن فبطَّنت ... بفعل العلا أيمانه وشمائله(٤)
  ولا مجد إلا مجد أسماء فوقه ... ولا جرى إلا جري أسماء فاضله
  / ومحتمل ضغنا لأسماء لو جرى ... بسجلين من أسماء فارت أباجله(٥)
  عوى يستجيش النابحات وإنما ... بأنيابه صمّ الصّفا وجنادله(٦)
  وأقصر عن مجراة أسماء سعيه ... حسيرا كما يلقي من التّرب ناخله(٧)
  وفضّل أسماء بن حصن عليهم ... سماحة أسماء بن حصن ونائله(٨)
  فمن مثل أسماء بن حصن إذا غدت ... شآبيبه أم أيّ شيء يعادله(٩)
  / وكنت إذا لاقيت منهم حطيطة ... لقيت أبا حسان تندى أصائله(١٠)
  تضيّفه غسّان يرجون سيبه ... وذو يمن أحبوشه ومقاوله(١١)
  / فتى لا يزال الدهر ما عاش مخصبا ... ولو كان الموماة تخدي رواحله(١٢)
  فأصبح: ما في الأرض خلق علمته ... من الناس إلَّا باع أسماء طائله(١٣)
(١) أي قبل شفاعته إطلاقا لم يقيدها بقيد ولم يعتل فيها باستثناء.
(٢) الجراية: الجاري من الوظائف.
(٣) انتقى: اختار. ائتلى: أقسم.
(٤) في س: «أسماء بن حفص» وهو تحريف.
(٥) في ب وس «صفنا» وهو تحريف. والسجل: الجري. أباجل: جمع أبجل، وهو عرق في باطن الذراع. والمعنى: لو جرى بشوطين من جري أسماء، لأعيا وانبهر.
(٦) يستجيش النابحات: أي يستمد الكلاب النابحات. الصفا: جمع صفاة، وهي الحجر الصلد الضخم. والمعنى أنه لا ينال منه ولا يؤثر فيه إلا كما يؤثر العاض على الصم الصلاب، وهو كقول الأعشى:
كناطح صخرة يوما ليوهيها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
(٧) حسيرا: كليلا.
(٨) النائل: العطاء.
(٩) غدت: بكرت. والشآبيب: جمع شؤبوب، وهو الدفعة من المطر.
(١٠) أبو حسان: كنية أسماء. أصائل: جمع أصيل، وهو العشيّ. تندى أصائله، أي يندى في الأصائل. والحطيطة: البخس.
(١١) أصله تتضيفه أي تنزل عليه ضيفا. والسيب: العطاء. الأحبوش: جماعة الحبش، وفي ب، س: «أجيوشة». والمقاول: جمع مقول، وهو الملك من ملوك حمير، أو هو دون الملك الأعلى.
(١٢) الراحلة: المركب من الإبل ذكرا أو أنثى. وخدي البعير خديا وخديانا: أسرع وزج بقوائمه. وفي ج: «بالمومات» بتاء مفتوحة، وفي ب وس: «بالموتان» وهو تحريف. والموماة: المفازة.
(١٣) طاله: فاقه في الطول.