كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار عبد الله بن الزبير ونسبه

صفحة 416 - الجزء 14

  / فقال له الحجّاج: فهلَّا يومئذ بعثت بديلا، يا حرسيّ⁣(⁣١)! اضرب عنقه، وسمع الحجّاج ضوضاء، فقال: ما هذا؟ فقال: هذه البراجم جاءت لتنصر⁣(⁣٢) عميرا فيما ذكرت، فقال: أتحفوهم برأسه، فرموهم برأسه، فولَّوا هاربين، فازدحم الناس على الجسر للعبور إلى المهلَّب حتى غرق بعضهم⁣(⁣٣)، فقال عبد اللَّه بن الزّبير الأسديّ:

  أقول لإبراهيم لمّا لقيته ... أرى الأمر أمسى واهيا متشعبا⁣(⁣٤)

  تخير فإما أن تزور ابن ضابئ ... عميرا وإمّا أن تزور المهلَّبا

  هما خطَّتا خسف نجاؤك منهما ... ركوبك حوليّا من الثلج أشهبا⁣(⁣٥)

  / فأضحى ولو كانت خراسان دونه ... رآها مكان السّوق أو هي أقربا⁣(⁣٦)


= فحاشا، فهجاهم ورمى أمهم به، فقال من أبيات:

وأمكم لا تتركوها وكلبكم ... فإن عقوق الوالدات كبير

فاستعدوا عليه عثمان، فأرسل إليه فعزره وحبسه، فاضطغن على عثمان لما فعل به، فلما دعى به ليؤدب شد سكينا في ساقه ليقتل بها عثمان، فعثر عليه فأحسن أدبه، وما زال في الحبس حتى مات فيه، وقد قال في ذلك أبياتا منها:

هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله

انظر «تاريخ الطبري» ٥: ١٣٧ و «الكامل» للمبرد ١: ١٨٥.

ونعثل: رجل من أهل مصر كان طويل اللحية، وكان عثمان إذا نيل منه وعيب شبه بهذا الرجل لطول لحيته، فكان أعداؤه وشاتموه يسمونه نعثلا لذلك، وفي حديث عائشة: اقتلوا نعثلا، قتل اللَّه نعثلا تعني عثمان، وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة.

(١) الحرسيّ: واحد حرس السلطان وهم الحرّاس.

(٢) في الأصول ما عدا ط، «لتبصر»؛ وهو تصحيف.

(٣) وفي «الكامل» ١: ١٨٣ «فقال الحجاج: ردوه، فلما رد قال له: أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان بدلا يوم الدار! إن في قتلك أيها الشيخ لصلاحا للمسلمين، يا حرسي اضربن عنقه، فجعل الزجل يضيق عليه أمره فيرتحل ويأمر وليه أن يلحقه بزاده» وفي «الكامل» أيضا ٢: ٢١٣ «ثم جلس لتوجيه الناس فقال: قد أجلتكم ثلاثا» وأقسم باللَّه لا يتخلف أحد من أصحاب ابن مخنف بعدها ولا من أهل الثغور إلا قتله، ثم قال لصاحب حرسه وصاحب شرطه: إذا مضت ثلاثة أيام فاتخذا سيوفكما عصيا، فجاءه عمير بن ضابئ البرجمي بابنه فقال: أصلح اللَّه الأمير، إن هذا أنفع لكم مني، وأشدّ بني تميم أيدا، وأجمعهم سلاحا، وأربطهم جأشا، وأنا شيخ كبير عليل، واستشهد جلساءه، فقال الحجاج: إن عذرك لواضح، وإن ضعفك لبين، ولكني أكره أن يجترئ بك الناس عليّ، وبعد فأنت ابن ضابئ صاحب عثمان، ثم أمر به فقتل، فاحتمل الناس، وإن أحدهم لينبع بزاده وسلاحه «الخ.

(٤) يخاطب إبراهيم بن عامر الأسدي أحد بني غاضرة بن مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد، وكان قد لقى ابن الزبير في السوق فسأله عن الخبر، فقال ابن الزبير هذه الأبيات.

وفي رواية «الكامل» ٢: ٦٨٦.

«أقول لعبد اللَّه يوم لقيته ... أرى الأمر أمسى منصبا متشعبا «

أنصبه الأمر: أعياه وأتعبه.

(٥) الخسف: الذل. الحولي: ما أتى عليه حول. أشهب: أشد شهبة، والشهبة: بياض يصدعه سواد في خلاله. والثلج شف ولكنه عند تراكمه يرى خلاله ظل من السواد، واستعماله أفعل التفضيل من اللون شاهد على جوازه عند الكوفيين، وعليه درج المتنبي في قوله يخاطب الشيب:

ابعد بعدت بياضا لا بياض له ... لأنت أسود في عيني من الظلم

(٦) جاء في تعليق الأخفش على «الكامل» ١: ١٨٣: «دونه: الهاء عائدة على المهلب» فمعناه: فأضحى ولو كانت خراسان قريبة من موضع غزوه، وجاء في «تفسير المبرد» لهذا البيت في «الكامل» ١: ١٨٥ «وقوله: فأضحى ولو كانت خراسان دونه: يعني دون السفر رآها مكان السوق للخوف والطاعة» فمعنى دون السفر: قريبة من موضع سفره، قال المرصفي في «رغبة الآمل» ٤: ٩٠ «وقد سلف عن الأخفش أن الهاء من دونه عائدة على المهلب، وهو أجود. مكان السوق: يريد سوق حكمة (كرقبة) وهو موضع بنواحي الكوفة، نسبت إلى حكمة بن حذيفة بن بدر. أو هي أقربا: أو بمعنى بل، وأقرب ظرف متعلق بخبر هي، وقيل: مفعول ثان، وهي توكيد للأول، أي رآها مكان السوق أو رآها هي أقرب.