كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر مضاض بن عمرو

صفحة 17 - الجزء 15

  اجتمع به أبو سلمة بن عبد الأسد وهو مسنّ معلق في شجرة:

  وخرج أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي قبيل الإسلام في نفر من قريش يريدون اليمن فأصابهم عطش شديد ببعض الطريق، وأمسوا على غير الطريق، فتشاوروا جميعا، فقال لهم أبو سلمة: إنّي أرى ناقتي تنازعني شقّا⁣(⁣١)؛ أفلا أرسلها وأتبعها؟ قالوا: فافعل. فأرسل ناقته وتبعها فأضحوا على ماء وحاضر⁣(⁣٢)، فاستقوا / وسقوا، فإنّهم لعلى ذلك إذ أقبل إليهم رجل فقال: من القوم؟ قالوا: من قريش. فرجع إلى شجرة أمام الماء فتكلَّم عندها بشيء ثم رجع إلينا، فقال: أينطلق معي أحدكم إلى رجل ندعوه⁣(⁣٣). قال أبو سلمة: فانطلقت معه فوقف بي تحت شجرة، فإذا وكر معلَّق فصوّت: يا أبت! فزعزع شيخ رأسه⁣(⁣٤)، فأجابه فقال: هذا الرجل. فقال لي: ممن الرجل؟ قلت:

  من قريش. قال: من أيّها؟ قلت: من بني مخزوم بن يقظة. قال: من أيّهم؟ قلت: أنا أبو سلمة بن عبد الأسد بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم بن يقظة. قال: أيهات منك⁣(⁣٥)! أنا ويقظة سنّ⁣(⁣٦)، أتدري من يقول:

  كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

  / بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر

  قلت: لا. قال: أنا قائلها، أنا عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي. أتدري لم سمّى أجياد أجيادا؟ قلت:

  لا. قال: جادت بالدّماء يوم التقينا نحن وقطوراء؛ أتدري لم سمّي قيعقعان؟ قلت: لا. قال: لتقعقع السلاح على ظهورنا لمّا طلعنا عليهم منه.

  وأخبرني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء؛ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال: حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ؛ قال: حدّثنا عبد العزيز بن عمران؛ قال حدّثني راشد بن حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، قال:

  قال أبو سلمة بن عوف⁣(⁣٧):

  / وخرجت في نفر من قريش يريدون اليمن. وذكر الخبر مثل حديث الأزرقيّ. واللَّه أعلم.

  تغريب ربيعة بن أمية بن خلف

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني محمد بن يحيى قال: حدّثنا غسان بن عبد العزيز بن عبد الحميد⁣(⁣٨) أنّ ربيعة بن أمية بن خلف كان قد أدمن الشراب، وشرب في شهر رمضان، فضربه عمر ¥ وغرّبه إلى ذي المروة، فلم يزل بها حتّى توفّي واستخلف عثمان ¥؛ فقيل له: قد توفّي عمر واستخلف عثمان فلو دخلت المدينة ما ردّك أحد. قال: لا واللَّه لا أدخل المدينة فتقول قريش قد غرّبه رجل


(١) شقا، أي جانبا.

(٢) ما عدا ط، أ، مب، مط: «فأصبحوا». والحاضر: القوم المقيمون على الماء.

(٣) ط: «يدعوه».

(٤) زعزع: حرّك.

(٥) أيهات: لغة في هيهات بمعنى بعد. ما عدا ط، أ، مب، مط: «أنبئك».

(٦) أي في سن وعمر واحد.

(٧) أي اسم صاحب القصة أبو سلمة بن عوف، لا أبو سلمة بن عبد الأسد.

(٨) ابن عبد الحميد، من ط فقط. مب، مط: «غسان بن عبد الحميد» فقط.