ذكر خبر مضاض بن عمرو
  صوت
  ثم غنّى، للعرجيّ(١):
  لو أنّ سلمى رأتنا لا يراع لنا ... لما هبطنا جميعا أبطن السوق(٢)
  وكشرنا وكبول القين تنكؤنا ... كالأسد تكشر عن أنيابها الرّوق(٣)
  صوت
  ثم تغنّى:
  أجرّر في الجوامع كلّ يوم ... فيا للَّه مظلمتي وصبري
  ثم أمر بالرّحيل. وقد غنى هذه الثلاثة الأصوات. فقال لي أبي: يا بنيّ بشعت لما رأيت من طعام ابن جامع وشرابه؛ فعليّ عتق ما أملك(٤) إن لم يكن شرب الدم مع هذا طيّبا. ثم قال: أسمعت بنيّ غناء قطَّ أحسن من هذا؟
  فقلت: لا واللَّه ما سمعت. قال: ثمّ خرج ابن جامع حتى نزل بباب أمير المؤمنين الرشيد ليلا، واجتمع المغنّون على الباب، وخرج الرسول إليهم فأذن لهم؛ والرشيد خلف السّتارة، فغنّوا إلى السّحر؛ فأعطاهم ألف دينار إلَّا ابن جامع فلم يعطه شيئا، وانصرفوا متوجّهين له، وعرضوا عليه جميعا فلم يقبل؛ وانصرفوا، فلما كان في الليلة الثانية دعوا فغنّوا ساعة، ثم كشفت الستارة، وغنّى جامع صوتا عرّض فيه بحاله وهو:
  صوت
  تقول أقم فينا فقيرا وما الذي ... ترى فيه ليلي أن أقيم فقيرا
  ذريني أمت يا ليل أو أكسب الغنى ... فإنّي أرى غير الغنيّ حقيرا
  يدفّع في النادي ويرفض قوله ... وإن كان بالرأي السّديد جديرا
  ويلزم ما يجني سواه وإن يطف ... بذنب يكن منه الصغير كبيرا(٥)
  قالوا: فأعجب الرّشيد ذلك الشعر واللحن فيه، وأمال رأسه نحوه كالمستدعي له. وغنّاه أيضا:
  صوت
  لئن مصر فاتتني بما كنت أرتجي ... وأخلفني منها الذي كنت آمل(٦)
(١) هذا الصواب في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «العرجي».
(٢) اليراع: الضعاف من الغنم وغيرها. ط: «لا نزاع لنا». ط، مب: «أبطح السوق». مط «أبطح الشوق».
(٣) الكشر: التبسم، وبدو الأسنان عند الضحك. والكبول: جمع كبل بالفتح والكسر، وهو القيد، والقين: الحداد. تنكؤنا: تؤلمنا كذا جاءت الرواية على الصواب في ط، مب، مط. وفي أ: «تبكؤنا». وفي سائر النسخ: «تبكرنا». الروق: جمع أروق وروقاء، وهو الذي طالت ثناياه العليا على السفلى.
(٤) أ، ط، مب: «فعتق ما يملك»، وهو أسلوب يبدلون به الكلام لئلا يقع المتكلم به فيما تقتضيه اليمين من نذر أو طلاق أو نحوهما.
(٥) كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفي ج: «ويلزمني» وفي سائر النسخ: «ويغفر».
(٦) الأبيات لأبي دهمان الغلابي، كما نصّ الجاحظ في «البيان والتبيين» (٢: ٢٩١). وكذا جاءت رواية البيت في ط، مب، مط، ج