كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر خبر مضاض بن عمرو

صفحة 20 - الجزء 15

  فما كلّ ما يخشى الفتى نازل به ... ولا كلّ ما يرجو الفتى هو نائل⁣(⁣١)

  وواللَّه ما فرّطت في وجه حيلة ... ولكنّ ما قد قدّر اللَّه نازل

  وقد يسلم الإنسان من حيث يتّقي ... ويؤتى الفتى من أمنه وهو غافل

  ثم أمر بالانصراف فانصرفوا، فلمّا بلغوا السّتر صاح به الخادم: يا قرشيّ مكانك. فوقف مكانه فخرج إليه بخلع وسبعة آلاف دينار، وأمر إن شاء أن يقيم، وإن شاء أن ينصرف.

  غناء امرأة جرهمية بشعر مضاض:

  أخبرني الحسين بن يحيى عن حماد عن أبيه قال: ذكر الكلبي عن أبيه: أنّ الناس بيناهم في ليلة مقمرة في المسجد الحرام، إذ بصروا بشخص قد أقبل⁣(⁣٢) كأنّ قامته رمح، فهربوا من بين يديه وهابوه؛ فأقبل حتّى طاف بالبيت الحرام سبعا ثم وقف فتمثّل:

  كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكَّة سامر

  قال: فأتاه رجل من أهل مكَّة؛ فوقف بعيدا منه ثم قال: سألتك بالذي خلقك أجنّيّ أنت أم إنسيّ⁣(⁣٣)؟ فقال:

  بل إنسيّ، أنا امرأة من جرهم، كنّا سكَّان هذه الأرض وأهلها، فأزالنا / عنها هذا الزمان الذي يبلي كلّ جديد ويغيّره! ثم انصرفت خارجة⁣(⁣٤) عن المسجد حتّى غابت عنهم، ورجعوا إلى مواضعهم.

  إنشاد شعره في رؤيا وتأويل ذلك:

  أخبرني محمد بن خلف وكيع قال: حدّثنا حمّاد بن إسحاق قال: حدّثني أبي عن جدّي قال: قال لي يحيى بن خالد يوما: أخبرك برؤيا رأيتها؟ قلت: خيرا رأيت. قال: رأيت كأنّي خرجت من داري راكبا، ثم التفتّ يمينا وشمالا فلم أر معي أحدا، حتّى صرت إلى الجسر، فإذا بصائح يصيح من ذلك الجانب:

  كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا ... أنيس ولم يسمر بمكَّة سامر

  فأجبته بقوله:

  بلى نحن كنّا أهلها فأبادنا ... صروف اللَّيالي والجدود العواثر

  فانصرفت إلى الرشيد فغنّيته الصوت، وخبرته الخبر، فعجب منه. وما مضت الأيّام حتّى أوقع بهم⁣(⁣٥).

  صوت

  شافني الزائرات قصر نفيس ... مثقلات الأعجاز قبّ البطون


و «البيان». وفي سائر النسخ: «لئن حرمتني كل ما كنت أرتجي».

(١) ما عدا ط، م، مب، مط: «نازلا به». «البيان»: «بمصيبه».

(٢) قد أقبل، من ط، مط فقط.

(٣) ما عدا ط، مب، مط: «فقال له بل إنسي».

(٤) هذه الكلمة من ط، مب، مط فقط.

(٥) أي بالبرامكة. س، ب: «إلا أيام».