كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر

صفحة 30 - الجزء 15

  غنّاه الهذلي رملا بالوسطى من رواية الهشاميّ وعمرو بن بانة.

  سبب قول أحيحة هذا الشعر:

  وأمّا السّبب في قول أحيحة هذا الشعر فإنّ أحمد بن عبيد المكتّب⁣(⁣١) ذكر أن محمد بن يزيد الكلبيّ حدّثه، وحدّثه أيضا هشام بن محمد عن الشّرقيّ بن القطاميّ قال هشام: وحدّثني به أبي أيضا.

  قال: وحدّثني رجل من قريش عن أبي عبيدة بن عمّار بن ياسر، قال: وحدّثني / عبد الرحمن بن سليمان الأنصاريّ، قالوا جميعا:

  أقبل تبّع الأخير وهو أبو كرب بن حسان بن أسعد الحميريّ، من اليمين سائرا⁣(⁣٢) يريد المشرق كما كانت التّبابعة تفعل، فمرّ بالمدينة فخلَّف بها ابنا له، ومضى حتّى قدم الشّأم، ثم سار من الشأم حتّى قدم العراق فنزل بالمشقّر⁣(⁣٣)، فقتل ابنه غيلة بالمدينة، فبلغه وهو بالمشقّر مقتل ابنه، فكرّ راجعا إلى المدينة وهو يقول:

  يا ذا معاهر ما تزال ترود ... رمد بعينك عادها أم عود⁣(⁣٤)

  منع الرّقاد فما أغمّص ساعة ... نبط بيثرب آمنون قعود

  لا تستقي بيديك إن لم تلقها ... حربا كأنّ أشاءها مجرود⁣(⁣٥)

  ثم أقبل حتّى دخل المدينة وهو مجمع على إخرابها وقطع نخلها، واستئصال أهلها، وسبي الذرّية؛ فنزل بسفح أحد فاحتفر بها بئرا - فهي البئر التي يقال لها إلى اليوم بئر الملك - ثم أرسل إلى أشراف أهل المدينة ليأتوه فكان فيمن أرسل إليه زيد بن ضبيعة بن زيد بن عمرو بن عوف، وابن عمه زيد بن أميّة بن زيد، وابن عمه زيد بن عبيد بن زيد⁣(⁣٦) - وكانوا يسمّون الأزياد - وأحيحة بن الجلاح؛ فلمّا جاء رسوله قال الأزدياد: إنما أرسل إلينا ليملَّكنا على أهل يثرب. فقال أحيحة: واللَّه ما دعاكم لخير! وقال:

  ليت حظَّي من أبي كرب ... أن يردّ خيره خبله⁣(⁣٧)

  فذهبت مثلا. وكان يقال: إنّ مع أحيحة تابعا من الجنّ يعلمه الخبر لكثرة صوابه؛ لأنّه كان لا يظنّ شيئا فيخبر به قومه إلا كان كما يقول. فخرجوا إليه، وخرج أحيحة ومعه قينة له، وخباء، فضرب الخباء وجعل فيه القينة والخمر، ثم خرج جتّى استأذن على تبّع، فأذن له، وأجلسه معه على زربيّة تحته⁣(⁣٨)، وتحدّث معه وسأله عن أمواله بالمدينة؛ فجعل يخبره عنها، وجعل تبّع كلَّما أخبره عن شيء منها يقول: كلّ ذلك على هذه الزربية. يريد بذلك تبّع


(١) المكتب، بكسر التاء المشدّدة، هو من يعلم الصبيان الخط والأدب. السمعاني. ٥٤ ب. ما عدا ط، مب، مط، ح: «الكاتب».

(٢) ط، مب، مط: «يسير».

(٣) المشقر: حصن بالبحرين عظيم، لبعد القيس.

(٤) ذو معاهر، بضم الميم: قيل من أقيال حمير، كما في «القاموس» (عهد). ط، مط: «يا ذا معاهد» وفي سائر النسخ: «يا ذا المعاهد» كلاهما محرّف عما أثبت. عود، أراد: أم طرفت بعود.

(٥) ط: «إن لم يلقها حرب» مب، مط: «إن لم تلقها حرب». والأشاء: جمع أشاءة، وهي صغار النخل. مجرود: جرّد عنه الخوص، أو أصابه الجراد.

(٦) كذا في ط، مب، مط. وفي سائر النسخ: «زيد بن أمية بن زيد وابن عمّه زيد بن ضبيعة بن زيد بن عمرو بن عوف وابن عمه زيد بن أمية بن زيد، وابن عمه زيد بن عبيد بن زيد»، وفيه تكرار وخلاف في الترتيب.

(٧) كذا على الصواب في ط، مب، مط و «كتاب التيجان» لوهب بن منبه ٢٩٤. لكن في «التيجان»: «أن يسد». وفي سائر النسخ: «أن يرد خبره جبله».

(٨) الزربية، بالكسر وبضم: واحدة الزرابي، وهي البسط والنمارق.