ذكر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر
  ورئيسهم عمرو بن طلَّة(١) أخو بني معاوية بن مالك بن النجّار، وجاء بعض تلك الخيول إلى بني عديّ وهم متحصّنون في أطمهم الذي في قبلة مسجدهم، فراموا بني عديّ بالنّبل، فجعلت نبلهم تقع في جدار الأطم، فكان على أطمهم مثل الشّعر من النبل، فسمّي ذلك الأطم الأشعر - ولم تزل بقايا النّبل فيه حتّى جاء اللَّه ø بالإسلام - وجاء بعض جنوده إلى بني الحارث بن الخزرج، فجذموا نخلهم من أنصافها، / فسمّيت تلك النخل جذمان(٢)، وجدعوا هم فرسا لتبّع، فكان تبّع يقول: لقد صنع بي أهل يثرب شيئا ما صنعه بي أحد؛ قتلوا ابني وصاحبي، وجدعوا فرسي! قالوا: فبينا تبّع يريد إخراب المدينة، وقتل المقاتلة، وسبي الذرّية، وقطع الأموال أتاه حبران من اليهود(٣) فقالا، أيها الملك انصرف عن هذه البلدة فإنّها محفوظة، وإنا نجد اسمها كثيرا في كتابنا، وأنّها مهاجر نبيّ من بني إسماعيل اسمه أحمد، يخرج من هذا الحرم من نحو البيت الذي بمكة، تكون داره وقراره، ويتبعه أكثر أهلها. فأعجبه ما سمع منهما، وكفّ عن الذي أراد بالمدينة وأهلها، وصدّق الحبرين بما حدّثاه، وانصرف تبّع عما كان أراد بها، وكفّ عن حربهم، وآمنهم حتّى دخلوا عسكره، ودخل جنده المدينة؛ فقال عمرو بن مالك بن النجار، يذكر شأن تبع، ويمدح عمرو بن طلَّة:
  أصحا أم انتحى ذكره ... أم قضى من لذّة وطره(٤)
  بعد ما ولَّى الشباب وما ... ذكره الشّباب أو عصره(٥)
  إنّها حرب يمانية ... مثلها آتى الفتى عبره
  سائلي عمران أو أسدا ... إذ أتت تعدو مع الزّهره(٦)
  / فيلق فيه أبو كرب ... سبع أبدانه ذفره(٧)
  / ثم قالوا من يؤمّ بنا ... أبنو عوف أم النّجره(٨)
  يا بني النّجار إنّ لنا ... فيكم ذحلا وإنّ تره(٩)
  فتلقّتهم مسايفة ... مدّها كالغبية النّثره(١٠)
  - الغبية(١١): السحابة التي فيها مطر وبرق برعد -.
(١) كذا في ط، مب، مط، و «كتاب التيجان» ٢٩٤ - ٢٩٥. وفي سائر النسخ: «عمرو بن طلحة» في كل موضع من هذا الخبر.
(٢) أي سمي ذلك الموضع، وهو بضم الجيم. وأنشد ياقوت فيه لقيس بن الخطيم:
فلا تقربوا جذمان إن حمامه ... وجنته تأذى بكم فتحملوا
(٣) الحبر، بفتح الحاء وكسرها: العالم.
(٤) انتحى: اعتمد وقصد. ط، ح، مب، مط: «أم ما انتحى».
(٥) العصر، بضمتين: لغة في العصر، وهو الزمان. ما عدا ط، ح: «ذكرت شبانه». وإنما يقول: إن ذكر الشباب وعصره لا يغني عن الشيخ فتيلا.
(٦) عمران، في ط، ح، مب، مط. وفي سائر النسخ: «همدان».
(٧) كذا على الصواب في ط، مب، مط. جعله أسدا ذفر البدن، والسبع أبخر ذفر البدن. ما عدا ط، مب: «تبع» تحريف.
(٨) يعني بالنجرة، بني النجار.
(٩) أي وإن لنا ترة. والترة: الوتر والذحل. وهذه رواية ط، مب. وفيما عداهما: «وإن نترة»، تحريف.
(١٠) المسايفة: التي تسايف، أي تضارب بالسيوف. كالغبية، هي فيما عدا ط، مب، مط، ج: «كالصيبة»، تحريف. والنثرة: وصف من النثر، وهو رمي الشيء متفرقا.
(١١) الغبية: بفتح الغين وسكون الباء بعدها. ما عدا ط، ما، ج: «الصيبة»، محرفة.