ذكر أحيحة بن الجلاح ونسبه وخبره والسبب الذي من أجله قال الشعر
  فيهم عمرو بن طلَّة لا ... همّ فامنح قومه عمره(١) ضسيّد سامي الملوك ومن
  يدع عمرا لا تجد قدره(٢)
  وقال في ذلك رجل من اليهود:
  تكلَّفني من تكاليفها ... نخيل الأساويف والمصنعه(٣)
  نخيلا حمتها بنو مالك ... جنود أبي كرب المفظعه
  وقال أحيحة يرثي الأزياد الذين قتلهم تبّع:
  ألا يا لهف نفسي أيّ لهف ... على أهل الفقارة أيّ لهف(٤)
  / مضوا قصد السّبيل وخلَّفوني ... إلى خلف من الأبرام خلف(٥)
  سدى لا يكتفون ولا أراهم ... يطيعون أمرا إن كان يكفي(٦)
  قالوا: فلما كفّ تبّع عن أهل المدينة اختلطوا بعسكره فبايعوه وخالطوهم. ثم إنّ تبّعا استوبأ بئره التي حفرها(٧)، وشكا بطنه عن مائها؛ فدخلت عليه امرأة من بني زريق يقال لها فكهة بنت زيد بن كلدة(٨) بن عامر بن زريق، وكانت ذات جلد وشرف في قومها، فشكا إليها وبأبئره، فانطلقت فأخذت قربا وحمارين حتّى استقت له من ماء رومة، فشربه فأعجبه، وقال: زيديني من هذا الماء. فكانت تختلف إليه في كلّ يوم بماء رومة، فلمّا حان رحيله دعاها، فقال لها: يا فكهة، إنّه ليس معنا من الصفراء والبيضاء شيء(٩)، ولكن لك ما تركنا من أزوادنا ومتاعنا. فلما خرج تبّع نقلت ما تركوه من أزوادهم ومتاعهم؛ فيقال إنه لم تزل فكهة أكثر بني زريق مالا حتّى جاء الإسلام.
  قال: وخرج تبّع يريد اليمن ومعه الحبران اللذان نهياه عن المدينة، فقال حين شخص من منزله: هذه قباء الأرض. فسمّيت قباء(١٠). ومرّ بالجرف فقال؛ هذا جرف الأرض. فسمّي الجرف؛ وهو أرفعها. ومرّ بالعرصة وتسمّى السليل فقال: هذه عرصة الأرض. ثم انحدر في العقيق فقال: هذا عقيق الأرض. فسمّي العقيق. / ثمّ خرج يسير حتّى نزل البقيع، فنزل على غدير ماء يقال له براجم، فشرب منه شربة فدخلت في حلقه علقة فاشتكى منها. فقال فيما ذكر أبو مسكين قوله:
(١) لا هم، أي اللَّهم. قومه، كذا على الصواب في ط، مب، مط. وفي ج: «قوله» وفي سائر النسخ: «نوله» محرفتان. وهو دعاء له بطول العمر.
(٢) قدره، أي مثله وكفأه.
(٣) الأساويف والمصنعة: موضعان لم أهتد إلى تعيينهما. ط، مط: «كل لهف».
(٤) ما عدا ط، ح: «أهل القفارة» وهي في مط مهملة الفاء والقاف. وانظر ما سبق في صفحة ٤٠.
(٥) الأبرام: جمع برم، بالتحريك، وهو الجبان البخيل، أو المعدم الذي لا يدخل مع القوم في الميسر. والخلف، بالفتح: الأشرار.
(٦) سدى: همل. س: «يصونون أمرا».
(٧) استوبأها: استوخمها.
(٨) ط، ح، مب: «جلدة» مب: «حمدة».
(٩) الصفراء: الدنانير. والبيضاء: الدراهم.
(١٠) إنما يصح اشتقاقها على لغة القصر، فإن القبي: جمع قبوة. انظر «معجم البلدان» (قبا).