كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب الخنساء وخبرها وخبر مقتل أخويها صخر ومعاوية

صفحة 57 - الجزء 15

  أرى أمّ صخر لا تملّ عيادتي ... وملَّت سليمى مضجعي ومكاني

  وما كنت أخشى أن أكون جنازة ... عليك ومن يغترّ بالحدثان⁣(⁣١)

  / أهمّ بأمر الحزم لو أستطيعه ... وقد حيل بين العير والنّزوان

  لعمري لقد نبّهت من كان نائما ... وأسمعت من كانت له أذنان

  وللموت خير من حياة كأنّها ... محلة يعسوب برأس سنان⁣(⁣٢)

  وأيّ امرئ ساوى بأمّ حليلة ... فلا عاش إلَّا في شقا وهوان

  فلما طال عليه البلاء وقد نتأت قطعة مثل اللَّبد⁣(⁣٣) في جنبه في موضع الطَّعنة، قالوا له: لو قطعتها لرجونا أن تبرأ. فقال: شأنكم. فأشفق عليه بعضهم فنهاهم، فأبى وقال: الموت أهون عليّ مما أنا فيه! فأحموا له شفرة ثم قطعوها فيئس⁣(⁣٤) من نفسه.

  من شعر صخر في الصبر:

  قال: وسمع صخر أخته الخنساء تقول: كيف كان صبره؟ فقال صخر في ذلك:

  أجارتنا إنّ الخطوب تنوب ... على النّاس، كلّ المخطئين تصيب

  فإن تسأليني هل صبرت فإنّني ... صبور على ريب الزمان صليب

  كأنّي وقد أدنوا إليّ شفارهم ... من الصّبر دامي الصّفحتين ركوب

  أجارتنا لست الغداة بظاعن ... ولكن مقيم ما أقام عسيب

  قبر صخر:

  عن أبي عبيدة: عسيب: جبل بأرض بني سليم إلى جنب المدينة، فقبره هناك معلم.

  وقال أبو عبيدة: فمات فدفن هناك، فقبره قريب من عسيب.

  رثاء الخنساء لصخر:

  فقالت الخنساء ترثيه:

  ألا ما لعينك أم ما لها ... لقد أخضل الدّمع سربالها

  ابعد ابن عمرو من آل الشري ... - د حلَّت به الأرض أثقالها

  فإن تك مرّة أودت به ... فقد كان يكثر تقتالها


(١) في «اللسان»: «وإذا ثقل غلى القوم أمر أو اغتموا به فهو جنازة عليهم». وأنشد هذا البيت.

(٢) أنشده في «اللسان» (عسب) وقال: «معناه أن الرئيس إذا قتل جعل رأسه على سنان. يعني أن العيش إذا كان هكذا فهو الموت».

قلت: وهذا إبعاد في التفسير. إنما اليعسوب: ذكر النحل، وموضعه من رأس السنان إذا وقف عليه ليس بشيء، فكذا الدنيا في هوانها عندما ينظر إليها.

(٣) كذا في ط، ج، مب، مط. وفي سائر النسخ: «مثل الكبد».

(٤) هذه الكلمة من ط، مب، مط.