أخبار حبابة
  ألا حيّ الديار بسعد إنّي ... أحبّ لحبّ فاطمة الديارا(١)
  أراد الظاعنون ليحزنوني ... فهاجوا صدع قلبي فاستطارا
  / فقال الفرزدق: ما أرّق أشعاركم يا أهل الحجاز وأملحها! قال: أو ما تدري لمن هذا الشعر؟ فقال: لا واللَّه. قال: هو لجرير، يهجوك به. فقال: ويل ابن المراغة ما كان أحوجه مع عفافه إلى صلابة شعري، وأحوجني مع شهواتي إلى رقّة شعره.
  الصوت الذي فوضل به بين حبابة وسلامة وبيان ما كان من أمر المفاضلة:
  وقد روى صالح بن حسّان أن الصوت الذي اختلفت فيه حبابة وسلامة هو:
  وترى لها دلَّا إذا نطقت به ... تركت بنات فؤاده صعرا(٢)
  ذكر ذلك حمّاد عن أبيه عن الهيثم بن عديّ: أنهما اختلفتا في هذا الصوت بين يدي يزيد، فقال لهما: من أين جاء اختلافكما، والصوت لمعبد ومنه أخذتماه؟ فقالت هذه: هكذا أخذته، وقالت الأخرى: هكذا أخذته. فقال يزيد: قد اختلفتما ومعبد حيّ بعد؟ فكتب إلى عامله بالمدينة يأمره بحمله إليه.
  ثم ذكر باقي الخبر مثل ما ذكره أبو بكر بن عيّاش.
  قال صالح بن حسّان: فلما دخل معبد إليه لم يسأله عن الصوت، ولكنه أمره أن يغنّي، فغناه فقال:
  فيا عزّ إنّ واش وشى بي عندكم ... فلا تكرميه أن تقولي له مهلا(٣)
  فاستحسنه وطرب ثم قال: إنّ هاتين اختلفتا في صوت لك فاقض بينهما. فقال لحبابة: غنّي. فغنّت، وقال لسلامة: غنّي. فغنّت، وقال: الصواب ما قالت حبابة. فقالت سلَّامة: واللَّه يا ابن الفاعلة إنك لتعلم أنّ الصواب ما قلت، ولكنك سألت أيّتهما آثر عند أمير المؤمنين فقيل لك حبابة، فاتّبعت هواه ورضاه! فضحك يزيد وطرب، وأخذ وسادة فصيّرها على رأسه، وقام يدور في الدار ويرقص / ويصيح: «السمك الطريّ أربعة أرطال، عند بيطار حبان(٤)» حتى دار الدار كلَّها ثم رجع فجلس مجلسه وقال شعرا، وأمر معبدا أن يغنّي فيه، فغنّى فيه وهو:
  أبلغ حبابة أسقى ربعها المطر ... ما للفؤاد سوى ذكراكم وطر
  إن سار صحبي لم أملك تذكَّركم ... أو عرّسوا فهموم النفس والسّهر
  فاستحسنه وطرب. هكذا ذكر إسحاق في الخبر. وغيره يذكر أنّ الصنعة فيه لحبابة، ويزعم ابن خرداذبه أن الصنعة فيه ليزيد. وليس كما ذكر، وإنما أراد أن يوالي بين الخلفاء في الصنعة، فذكره على غير تحصيل، والصحيح أنه لمعبد.
(١) الكلام بعده إلى ما قبل الصوت التالي منقوص في ط.
(٢) صعرا: مائلات.
(٣) ح: «أهلا».
(٤) انظر ما سبق في ص ١٣٣.