أخبار حبابة
  لأنت على التنائي فاعلميه ... أحبّ إليّ من بصري وسمعي
  الغناء لمعبد خفيف ثقيل بالوسطى، مما لا يشك فيه من غنائه.
  سماع يزيد لحبابة وسلامة وحكمه بينهما:
  قال الزبير: وحدّثتني ظبية أنّ يزيد قال لحبابة وسلَّامة: أيتكما غنّتني ما في نفسي فلها حكمها. فغنّت سلَّامة فلم تصب ما في نفسه، وغنّته حبابة:
  حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا
  / فأصابت ما في نفسه فقال: احتكمي. فقالت: سلامة، تهبها لي ومالها. قال: اطلبي غيرها. فأبت، فقال:
  أنت أولى بها ومالها. فلقيت سلَّامة من ذلك أمرا عظيما، فقالت لها حبابة: لا ترين إلا خيرا! فجاء يزيد فسألها أن تبيعه إياها بحكمها، فقالت: أشهدك أنّها حرة، / واخطبها إليّ الآن حتّى أزوّجك مولاتي.
  أخبرني أحمد بن عبد العزيز قال: حدّثنا عمر بن شبة قال: حدّثني إسحاق عن المدائني بنحو هذه القصة.
  وقال فيها: فجزعت سلَّامة، فقالت لها: لا تجزعي فإنّما ألاعبه.
  نسبة هذا الصوت
  حلق من بني كنانة حولي ... بفلسطين يسرعون الركوبا
  هزئت أن رأت مشيبي عرسي ... لا تلومي ذوائبي أن تشيبا
  الشعر لابن قيس الرقيات، والغناء لابن سريج، ثاني ثقيل بالخنصر في مجرى البنصر عن إسحاق.
  اعتراف حبابة سلامة بالفضل:
  قال حمّاد بن إسحاق: حدّثني أبي عن المدائني، وأيوب بن عباية قالا:
  كانت سلامة المتقدّمة منهما(١) في الغناء، وكانت حبابة تنظر إليها بتلك العين، فلما حظيت عند يزيد ترفّعت عليها فقالت لها سلَّامة: ويحك أين تأديب الغناء(٢) وحقّ التعليم؟ أنسيت قول جميلة لك: خذي أحكام ما أطارحك إياه من سلَّامة؟! فلن تزالي بخير ما بقيت لك وكان أمركما مؤتلفا. قالت: صدقت يا خليلتي، واللَّه لا عدت إلى شيء تكرهينه. فما عادت بعد ذلك لها إلى مكروه. وماتت حبابة وعاشت سلَّامة بعدها دهرا.
  / قال المدائني: فرأى يزيد يوما حبابة جالسة فقال: مالك؟ فقالت: أنتظر سلامة. قال: تحبّين أن أهبها لك؟
  قالت: لا واللَّه، ما أحب أن تهب لي أختي.
  ولوع يزيد بحبابة:
  قال المدائني: وكانت حبابة إذا غنّت وطرب يزيد قال لها: أطير؟ فتقول له: فإلى من تدع الناس؟ فيقول:
  إليك. واللَّه تعالى أعلم.
(١) ط، ج، مط: «منهن».
(٢) ما عدا ط، ج، ها، مط: «تأدية الغناء».