كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حبابة

صفحة 97 - الجزء 15

  وساطة حبابة للبيذق الأنصاري:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: حدّثني أيوب بن عباية، أن البيذق الأنصاري القارئ كان يعرف حبابة ويدخل عليها بالحجاز، فلما صارت إلى يزيد بن عبد الملك وارتفع أمرها عنده، خرج إليها يتعرّض لمعروفها ويستميحها، فذكرته ليزيد وأخبرته بحسن صوته. قال: فدعاني يزيد ليلة فدخلت عليه وهو على فرش مشرفة قد ذهب فيها إلى قريب من ثدييه، وإذا حبابة على فرش أخر مرتفعة، وهي دونه، فسلَّمت فردّ السلام، وقالت حبابة: يا أمير المؤمنين، هذا أبي. وأشارت إليّ بالجلوس، فجلست وقالت لي حبابة: اقرأ يا أبت. فقرأت فنظرت إلى دموعه تنحدر، ثم قالت: إيه يا أبت حدّث أمير المؤمنين، وأشارت إليّ أن غنّه. فاندفعت في صوت ابن سريج:

  من لصب مفنّد ... هائم القلب مقصد⁣(⁣١)

  فطرب واللَّه يزيد فحذفني بمدهن فيه فصوص من ياقوت وزبرجد، فضرب صدري، فأشارت إليّ حبابة: أن خذه. فأخذته فأدخلته كمي، فقال: يا حبابة ألا ترين ما صنع بنا أبوك، أخذ مدهننا فأدخله في كمه؟ فقالت: يا أمير المؤمنين ما أحوجه واللَّه إليه! ثم خرجت من عنده فأمر لي بمائة دينار.

  نسبة هذا الصوت

  /

  من لصبّ مفنّد ... هائم القلب مقصد

  أنت زوّدته الضّنى ... بئس زاد المزوّد

  ولو أني لا أرتجي ... - ك لقد خفّ عوّدي

  ثاويا تحت تربة ... رهن رمس بفدفد

  غير أنّي أعلَّل الن ... فس باليوم أو غد

  الشعر لسعيد بن عبد الرحمن بن حسان. وذكر الزبير بن بكار أنه لجعفر بن الزبير، والغناء لابن سريج، خفيف ثقيل بالسبابة في مجرى الوسطى.

  استدعاء يزيد لابن الطيار لمعرفة مدى طربه من الغناء:

  وقال حمّاد: حدّثني أبي عن مخلد بن خداش وغيره، أن حبابة غنت يزيد صوتا لابن سريج، وهو قوله:

  ما أحسن الجيد من مليكة وال ... - لَّبّات إذ زانها ترائبها

  فطرب يزيد وقال: هل رأيت أحدا أطرب مني؟ قلت: نعم، ابن الطَّيّار⁣(⁣٢) معاوية بن عبد اللَّه بن جعفر، فكتب فيه إلى عبد الرحمن بن الضحاك فحمل إليه، فلما قدم أرسلت إليه حبابة: إنما بعث إليك لكذا وكذا - وأخبرته -


(١) التفنيد: تخطئ الرأي والتكذيب. ما عدا ط، ها، مط: «مصيد». وقد أشير في ط إلى أنها رواية في نسخة. والمقصد: المقتول، الذي يرمى فيقتل مكانه.

(٢) الطيار هو جعفر الطيار بن أبي طالب، قطعت يداه يوم مؤتة، قالوا: فجعل اللَّه له جناحين يطير بهما في الجنّة عوضا من يديه اللتين قطعتا. انظر «الحيوان» ٣: ٢٣٣ وحواشيه.