كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حبابة

صفحة 98 - الجزء 15

  فإذا دخلت عليه فلا تظهرنّ طربا حتى أغنيه الصوت الذي غنّيته. فقال: سوأة على كبر سنّي؟ فدعا به يزيد وهو على طنفسة خزّ، ووضع لمعاوية مثلها، فجاؤوا بجامين فيهما مسك فوضعت إحداهما بين يدي يزيد والأخرى بين يدي معاوية، فقال: فلم أدر كيف أصنع. فقلت: انظر كيف يصنع فاصنع مثله. فكان يقلَّبه فيفوح ريحه وأفعل / مثل ذلك، فدعا بحبابة فغنّت، فلما غنّت ذلك الصوت أخذ معاوية الوسادة فوضعها على رأسه وقام يدور وينادي:

  «الدّخن بالنوى» يعني اللَّوبيا. قال: فأمر له بصلات عدّة دفعات إلى أن خرج، فكان مبلغها ثمانية آلاف دينار.

  اختبار يزيد لطرب مولى حبابة:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال: أخبرني الزبير بن أبي بكر، عن ظبية:

  أنّ حبابة غنّت يوما بين يدي يزيد فطرب ثم قال لها: هل رأيت قطَّ أطرب مني؟ قالت: نعم، مولاي الذي باعني. فغاظه ذلك فكتب في حمله مقيّدا، فلما عرف خبره أمر بإدخاله إليه، فأدخل يرسف في قيده، وأمرها فغنّت بغتة:

  تشطَّ غدا دار جيراننا ... وللدّار بعد غد أبعد

  فوثب حتّى ألقى نفسه على الشمعة فأحرق لحيته، وجعل يصيح: الحريق يا أولاد الزنا! فضحك يزيد وقال:

  لعمري إنّ هذا لأطرب الناس! فأمر بحلّ قيوده، ووصله بألف دينار، ووصلته حبابة، وردّه إلى المدينة.

  يزيد وأم عوف المغنية:

  أخبرني إسماعيل بن يونس قال: حدّثنا عمر بن شبّة قال: قال إسحاق:

  كان يزيد بن عبد الملك قبل أن تفضي إليه الخلافة، تختلف إليه مغنيّة طاعنة في السّن تدعى أمّ عوف، وكانت محسنة، فكان يختار عليها:

  متى أجر خائفا تسرح مطيته ... وإن أخف آمنا تنبو به الدار⁣(⁣١)

  سيروا إليّ وأرخوا من أعنّتكم ... إنّي لكلّ امرئ من وتره جار

  / فذكرها يزيد يوما لحبابة، وقد كانت أخذت عنها فلم تقدر أن تطعن عليها إلا بالسنّ، فغنت:

  أبى القلب إلَّا أمّ عوف وحبّها ... عجوزا ومن يحبب عجوزا يفنّد⁣(⁣٢)

  / فضحك وقال: لمن هذا الغناء؟ فقالت: لمالك. فكان إذا جلس معها للشّرب يقول: غنّيني صوت مالك في أمّ عوف.

  استبقاء يزيد لجثة حبابة بعد موتها، ثم موته ودفنه إلى جنبها:

  أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال: حدّثني عمر بن شبّة قال: حدّثني عبد اللَّه بن أحمد بن الحارث


(١) ما عدا ط، ها، مط: «تغلق به الدار».

(٢) البيت لأبي الأسود الدؤلي في «الحماسة» (٢: ١٣٨). وقد غيرت رواية البيت لتستقيم لها الفكاهة ويتم العبث بأم عوف. والرواية:

«أم عمرو». وبعده:

كثوب اليماني قد تقادم عهده ... ورقعته ما شئت في العين واليد