كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حبابة

صفحة 99 - الجزء 15

  العدويّ قال: حدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّلي قال: حدّثني أبو غانم الأزدي قال:

  نزل يزيد بن عبد الملك ببيت رأس بالشام، ومعه حبابة فقال: زعموا أنّه لا تصفو لأحد عيشة يوما إلى الليل إلَّا يكدرها شيء عليه، وسأجرّب ذلك. ثم قال لمن معه: إذا كان غدا فلا تحبروني بشيء ولا تأتوني بكتاب. وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان، فأكلت رمّانة فشرقت بحبّة منها فماتت، فأقام لا يدفنها ثلاثا حتّى تغيرت وأنتنت، وهو يشمّها ويرشفها، فعاتبه على ذلك ذوو قرابته وصديقه⁣(⁣١)، وعابوا عليه ما يصنع، وقالوا: قد صارت جيفة بين يديك! حتّى أذن لهم في غسلها ودفنها، وأمر فأخرجت في نطع، وخرج معها لا يتكلَّم حتّى جلس على قبرها، فلما دفنت قال: أصبحت واللَّه كما قال كثيّر:

  /

  فإن يسل عنك القلب أو يدع الصبا ... فباليأس يسلو عنك لا بالتجلَّد

  وكلّ خليل راءني فهو قائل ... من اجلك: هذا هامة اليوم أو غد⁣(⁣٢)

  فما أقام إلَّا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جنبها.

  جزع يزيد على حبابة:

  أخبرني أحمد قال: حدّثني عمر قال: حدّثني إسحاق الموصلي قال: حدّثني الفضل بن الربيع عن أبيه عن إبراهيم بن جبلة بن مخرمة عن أبيه أنّ مسلمة بن عبد الملك قال:

  ماتت حبابة فجزع عليها يزيد، فجعلت أؤسّيه وأعزّيه، وهو ضارب بذقنه على صدره ما يكلَّمني حتّى دفنها ورجع، فلما بلغ إلى بابه التفت إليّ وقال:

  فإن تسل عنك النّفس أو تدع الصّبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلَّد

  ثم دخل بيته فمكث أربعين يوما ثم هلك.

  قال: وجزع عليها في بعض أيامه فقال: انبشوها حتّى أنظر إليها. فقيل: تصير حديثا! فرجع فلم ينبشها.

  وقد روى المدائني أنّه اشتاق إليها بعد ثلاثة أيام من دفنه إياها، فقال: لا بدّ من أن تنبش. فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغيّر تغيّرا قبيحا فقيل له: يا أمير المؤمنين، اتّق اللَّه، ألا ترى كيف قد صارت؟ فقال: ما رأيتها قطَّ أحسن منها اليوم، أخرجوها. فجاءه مسلمة ووجوه أهله، فلم يزالوا به حتّى أزالوه عن ذلك ودفنوها، وانصرف فكمد كمدا شديدا حتّى مات، فدفن إلى جانبها.

  الصلاة على حبابة بعد موتها:

  قال إسحاق: وحدّثني عبد الرحمن بن عبد اللَّه الشفافي⁣(⁣٣) عن العباس بن محمد، أن يزيد بن عبد الملك أراد الصلاة على حبابة، فكلَّمه مسلمة في أن لا يخرج وقال: أنا أكفيك الصلاة عليها. فتخلَّف يزيد ومضى مسلمة، حتّى إذا مضى الناس انصرف مسلمة وأمر من صلَّى عليها.


(١) صديقه، أي أصدقاؤه. والصديق يقال للواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

(٢) راءه: رآه. ويقال: هذا هامة اليوم أو غد، أي يموت اليوم أو غدا. وبهذا البيت استشهد في «اللسان» على ذاك المعنى.

(٣) ط: «الشغاني»، هـ: «الشغاني» مط: «السغاني» وأثبت ما في سائر النسخ.