أخبار أبي الطفيل ونسبه
  شدّة حزنه حين سمع غناء فيه رثاء ولده:
  أخبرني الحسن بن علي قال: حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني الزبير بن بكار قال: حدّثني بعض أصحابنا:
  أن أبا الطفيل عامر بن واثلة دعي في مأدبة، فغنّت فيها قينة قوله يرثي ابنه:
  خلَّى طفيل عليّ الهمّ وانشعبا ... وهدّ ذلك ركني هدّة عجبا
  فبكى حتّى كاد يموت.
  وقد أخبرني بهذا الخبر عمي عن طلحة بن عبد اللَّه الطلحي، عن أحمد بن إبراهيم: أنّ أبا الطفيل دعي إلى وليمة فغنت قينة عندهم:
  خلَّى عليّ طفيل الهمّ وانشعبا ... وهدّ ذلك ركني هدّة عجبا
  وابني سمية لا أنساهما أبدا ... فيمن نسيت وكلّ كان لي وصبا
  فجعل ينشج ويقول: هاه هاه طفيل! ويبكي حتّى سقط على وجهه ميتا.
  وأخبرني محمد بن مزيد قال: حدّثنا حمّاد عن أبيه بخبر أبي الطفيل هذا، فذكر مثل ما مضى، وزاد في الأبيات:
  فاملك عزاءك إن رزء بليت به ... فلن يردّ بكاء المرء ما ذهبا
  وليس يشفي حزينا من تذكَّره ... إلَّا البكاء إذا ما ناح وانتحبا
  فإذ سلكت سبيلا كنت سالكها ... ولا محالة أن يأتي الذي كتبا
  فما لبطنك من ريّ ولا شبع ... ولا ظللت بباقي العيش مرتغبا(١)
  غناء طويس بشعر لأبي الطفيل:
  وقال حمّاد بن إسحاق حدّثني أبي قال: حدّثني أبو عبد اللَّه الجمحي عن أبيه قال:
  / بينا فتية من قريش ببطن محسّر يتذاكرون الأحاديث ويتناشدون الأشعار، إذ أقبل طويس وعليه قميص قوهيّ وحبرة قد ارتدى بها(٢)، وهو يخطر في مشيته، فسلَّم ثم جلس، فقال له القوم: يا أبا عبد المنعم، لو غنّيتنا؟ قال:
  نعم وكرامة أغنيكم بشعر شيخ من أصحاب رسول اللَّه ﷺ، من شيعة عليّ بن أبي طالب #، وصاحب رايته، أدرك الجاهلية والإسلام، وكان سيّد قومه وشاعرهم. قالوا: ومن ذاك يا أبا عبد المنعم فدتك أنفسنا؟ قال:
  ذلك أبو الطَّفيل عامر بن واثلة، ثمّ اندفع فغنى:
  أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة ... وهنّ من الأزواج نحوي نوازع
  فطرب القوم وقالوا: ما سممعنا قطَّ غناء أحسن من هذا.
(١) المرتغب: الراغب، كما في «القاموس». ما عدا ط، ها: «بنا في العيش مرتعبا» تحريف.
(٢) القوهي: ثياب بيض منسوبة إلى قوهستان. والحبرة، بالتحريك وكعنبة: ضرب من برود اليمن شمر.