كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار حسان وجبلة بن الأيهم

صفحة 114 - الجزء 15

  فقال: أتعرف هذه المنازل؟ قلت: لا. قال: هذه منازلنا في ملكنا بأكناف دمشق، وهذا شعر ابن الفريعة حسّان بن ثابت، شاعر رسول اللَّه .

  أرساله صلة إلى حسان عندما علم بأنه مضرور:

  قلت: أما إنّه مضرور البصر كبير السنّ. قال: يا جارية هاتي. فأتته بخمسمائة دينار وخمسة أثواب من الدّيباج، فقال: ادفع هذا إلى حسّان وأقرئه منّي السلام.

  بكاؤه من سماع شعر حسان:

  ثم أرادني⁣(⁣١) على مثلها، فأبيت فبكى، ثم قال / لجواريه: أبكينني. فوضعن عيدانهنّ وأنشأن يقلن:

  /

  تنصّرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

  تكنّفني فيها لجاج ونخوة ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور

  فيا ليت أمّي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قال لي عمر

  ويا ليتني أرعى المخاض بقفرة ... وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر⁣(⁣٢)

  ويا ليت لي بالشأم أدنى معيشة ... أجالس قومي ذاهب السّمع والبصر

  ثم بكى وبكيت معه حتّى رأيت دموعه تجول على لحيته كأنّها اللؤلؤ، ثمّ سلَّمت عليه وانصرفت، فلما قدمت على عمر سألني عن هرقل وجبلة، فقصصت عليه القصّة من أوّلها إلى آخرها، فقال: أو رأيت جبلة يشرب الخمر؟

  قلت: نعم. قال: أبعده اللَّه، تعجّل فانية اشتراها بباقية، فلما ربحت تجارته، فهل سرّح معك شيئا؟ قلت: سرّح إلى حسان خمسمائة دينار وخمسة أثواب ديباج. فقال: هاتها. وبعث إلى حسّان فأقبل يقوده قائده حتّى دنا فسلَّم، وقال: يا أمير المؤمنين، إنّي لأجد أرواح آل جفنة. فقال عمر ¥: قد نزع اللَّه تبارك وتعالى لك منه على رغم أنفه، وأتاك بمعونة. فانصرف عنه وهو يقول:

  إنّ ابن جفنة من بقيّة معشر ... لم يعذهم آباؤهم باللَّوم

  لم ينسني بالشّام إذ هو ربّها ... كلَّا ولا متنصّرا بالروم

  يعطى الجزيل ولا يراه عنده ... إلَّا كبعض عطيّة المذموم

  وأتيته يوما فقرّب مجلسي ... وسقى فروّاني من الخرطوم⁣(⁣٣)

  / فقال له رجل في مجلس عمر: أتذكر قوما كانوا ملوكا فأبادهم اللَّه وأفناهم؟! فقال: ممن الرجل؟ قال:

  مزنيّ. قال: أما واللَّه لولا سوابق قومك مع رسول اللَّه لطوّقتك طوق الحمامة. وقال: ما كان خليلي ليخلّ بي، فما قال لك؟ قال: قال إن وجدته حيّا فادفعها إليه، وإن وجدته ميّتا فاطرح الثياب على قبره، وابتع بهذه الدنانير بدنا


(١) ما عدا ط، ها، مط، ج: «راودني».

(٢) ما عدا، ط، ها، مط: «بدمنة»، وما أثبت من هذه النسخ يوافق ما في شروح «سقط الزند» ٣٠٢. والخبر فيها برواية أخرى ٢٩٥ - ٣٠٣.

(٣) الخرطوم، سبق تفسيرها في ص ١٦٠.