كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسب ابن الزبعري وأخباره وقصة غزوة أحد

صفحة 134 - الجزء 15

  عُوقِبْتُمْ بِه ِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} إلى آخر السورة. فعفا رسول اللَّه وصبر، ونهى عن المثلة.

  خروج صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة:

  قال ابن إسحاق فيما بلغني: خرجت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة وكان أخاها لامها، فقال رسول اللَّه لابنها الزبير: القها فأرجعها لا ترى ما بأخيها. فلقيها الزبير فقال: يا أمّه، إنّ رسول اللَّه يأمرك أن ترجعي. فقالت: ولم، فقد بلغني أنّه مثّل بأخي، وذلك في اللَّه جلّ وعزّ قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء اللَّه تعالى؟ فلما جاء الزبير رسول اللَّه فأخبره بذلك قال: خلّ سبيلها. فأتته فنظرت إليه وصلَّت عليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر رسول اللَّه به فدفن.

  استشهاد حسيل بن جابر وثابت بن وقش:

  قال: حدّثني محمد بن إسحاق قال: حدّثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد قال:

  لمّا خرج رسول اللَّه إلى أحد، رجع حسيل بن جابر - وهو اليمان أبو حذيفة بن اليمان - وثابت بن وفش⁣(⁣١) بن زعورا في الآطام مع النساء والصبيان، فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان كبيران: لا أبا لك ما تنتظر، فو اللَّه إن بقي لواحد منّا من عمره إلَّا ظمء حمار⁣(⁣٢)، إنّما نحن هامة اليوم أو غد⁣(⁣٣)، أفلا نأخذ أسيافنا ثم نلحق برسول اللَّه لعلّ اللَّه يرزقنا شهادة معه. فأخذا أسيافهما ثم خرجا حتّى دخلا في الناس، ولم يعلم أحد بهما. فأمّا ثابت بن وقش⁣(⁣١) فقتله المشركون، وأما حسيل بن جابر اليمان فاختلفت عليه / أسياف المسلمين فقتلوه ولم يعرفوه، فقال حذيفة: أبي! قالوا: واللَّه إن عرفناه وصدقوا. قال حذيفة: يغفر اللَّه لكم وهو أرحم الراحمين. فأراد رسول اللَّه أن يديه⁣(⁣٤)، فتصدّق حذيفة بديته على المسلمين، فزادته عند رسول اللَّه خيرا.

  مصرع قزمان:

  قال حدّثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتيّ⁣(⁣٥) لا ندري من أين هو، يقال له قزمان، فكان رسول اللَّه يقول إذا ذكره: «إنّه لمن أهل النار» فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا فقتل هو وحده ثمانية من المشركين أو تسعة، وكان شهما شجاعا ذا بأس، فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر، قال:

  فجعل رجال من المسلمين يقولون: واللَّه لقد أبليت اليوم⁣(⁣٦) يا قزمان، فأبشر. قال: بم أبشر؟ فو اللَّه أن قاتلت إلَّا على حساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. فلما اشتدّت عليه جراحته أخذ سهما من كنانته فقطع رواهشه فنزفه الدم فمات؛ فأخبر رسول اللَّه بذلك فقال: إنّي رسول اللَّه حقّا.


(١) كذا في ط، مب والطبري وفي مط: «ثابت بن زعورا» وفي ها: «بن قيس» وفي سائر النسخ «بن قريش»، تحريف.

(٢) ظمء الحمار: ما بين الشربين له، وليس شيء من الدواب أقصر ظمأ من الحمار، يرد الماء كل يوم في الصيف مرتين.

(٣) أي سنموت اليوم أو غدا.

(٤) وداه: أدى دينه.

(٥) الأتي: الغريب، ليس من القوم.

(٦) كذا في ها والطبري، وفي سائر النسخ: «القوم».