ذكر عمرو بن معديكرب وأخباره
  فإن نغلب فغلَّابون قدما ... وإن نهزم فغير مهزّمينا
  فلما توجّه فروة إلى النبيّ ﷺ أنشأ يقول:
  لمّا رأيت ملوك كندة أعرضت ... كالرّجل خان الرجل عرق نساها
  يمّمت راحلتي أمام محمد(١) ... أرجو فواضلها وحسن ثراها(٢)
  / فلما انتهى إلى رسول اللَّه ﷺ قال له فيما بلغنا: هل ساءك ما أصاب قومك يوم الرزم(٣)؟ قال: يا رسول اللَّه، من ذا الذي يصيب قومه مثل الذي أصاب قومي ولا يسوءه. فقال له: أما إنّ ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلَّا خيرا! واستعمله على مراد وزبيد ومذحج كلَّها.
  ارتداد عمرو بن معديكرب:
  قال أبو عبيدة: فلم يلبث عمرو أن ارتدّ عن الإسلام، فقال حين ارتد:
  وجدنا ملك فروة شر ملك ... حمار ساف منخره بقذر(٤)
  وإنّك لو رأيت أبا عمير ... ملأت يديك من غدر وختر
  حرب مذحج:
  قال أبو عبيدة: فلما ارتدّ عمرو مع من ارتدّ عن الإسلام من مذحج، استجاش فروة النبيّ / ﷺ، فوجّه إليهم خالد بن سعيد بن العاص وخالد بن الوليد، وقال لهما: إذا اجتمعتم فعليّ بن أبي طالب أميركم وهو على الناس.
  ووجّه عليا # فاجتمعوا بكسر(٥) من أرض اليمن، فاقتتلوا وقتل بعضهم ونجا بعض، فلم يزل جعفر وزبيد وأود بنو سعد العشيرة بعدها قليلة.
  حديث الصمصامة:
  وفي هذا الوجه وقعت الصمصامة إلى آل سعيد، وكان سبب وقوعها إليهم أنّ ريحانة بنت معديكرب سبيت يومئذ، ففداها خالد، وأثابه عمرو الصمصامة(٦)، فصار إلى أخيه سعيد، فوجد سعيد جريحا يوم عثمان بن عفان ¥ حين حصر وقد ذهب السيف والغمد، ثم وجد الغمد، فلما قام معاوية جاءه إعرابيّ بالسيف بغير غمد، وسعيد / حاصر، فقال سعيد: هذا سيفي! فجحد الأعرابيّ مقالته، فقال سعيد: الدليل على أنّه سيفي أن تبعث إلى غمده فتغمده فيكون كفافه. فبعث معاوية إلى الغمد فأتى به من منزل سعيد فإذا هو عليه، فأقرّ الأعرابيّ أنّه أصابه يوم الدار، فأخذه سعيد منه وأثابه، فلم يزل عنده حتّى أصعد المهديّ من البصرة، فلما كان بواسط بعث
(١) كذا في الأصول. وفي «السيرة» ٩٥١: «قربت راحلتي أؤم محمدا».
(٢) الثرى: مقصور الثراء، وهو الثروة والغنى.
(٣) ما عدا ط، مط، مب: «الروم». وانظر ما سلف من التحقيق في الصفحة السابقة.
(٤) ساف سوفا: شم، وقد زاد الباء مع الفعل. والقذر، بالفتح وسكون الذال وصف من قولهم: قذر قذارة فهو قذر. ط، أ، مط، مب:
«بقدر». وفي «السيرة»: «حمارا ساف منخره بثفر». وثفر الدابة: حياؤها.
(٥) في «معجم البلدان»: «الكسر: قرى كثيرة بحضرموت يقال لها كسر قشاقش، سكنها كندة».
(٦) كذا الصواب في ط، مط، مب. وفي سائر النسخ: «وأصابه غمد الصمصامة».