ذكر عمرو بن معديكرب وأخباره
  لها تحريما إلا أنّه قال: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقلنا: لا. فسكت وسكتنا! فقال له: أنت أكبر سنّا وأقدم إسلاما.
  فجاءا فجلسا يتناشدان ويشربان، ويذكران أيام الجاهلية، حتى مسيا، فلما أراد عيينة الانصراف. قال عمرو: لئن انصرف أبو مالك بغير حباء إنّه لوصمة عليّ. فأمر بناقة له أرحبية(١) كأنّها جبيرة لجين(٢)، فارتحلها وحمله عليها، ثم قال: يا غلام هات المزود. / فجاء بمزود فيه أربعة ألاف درهم، فوضعها بين يديه، فقال: أمّا المال فو اللَّه لا قبلته. قال: واللَّه إنّه لمن حباء عمر بن الخطاب ¥. فلم يقبله عيينة وانصرف وهو يقول:
  جزيت أبا ثور جزاء كرامة ... فنعم الفتى المزدار والمتضيّف
  قرينت فأكرمت القرى وأفدتنا ... نخيلة علم لم يكن قطَّ يعرف(٣)
  وقلت: حلال أن تدير مدامة ... كلون انعقاق البرق والليل مسدف
  / وقدّمت فيها حجّة عربية ... تردّ إلى الإنصاف من ليس ينصف
  وأنت لنا واللَّه ذي العرش قدوة ... إذا صدّنا عن شربها المتكلَّف
  نقول: أبو ثور أحلّ حرامها ... وقول أبي ثور أسدّ وأعرف(٤)
  قدومه على عمر بالمدينة وما كان من شراهته في الطعام
  وقال علي بن محمد: حدّثني عبد اللَّه بن محمد الثقفي عن أبيه، والهذليّ عن الشّعبي قال:
  جاءت زيادة من عند عمر بعد القادسية فقال عمرو بن معد يكرب لطليحة: أما ترى أنّ هذه الزعانف تزاد ولا نزاد، انطلق بنا إلى هذا الرجل حتّى(٥) نكلَّمه. فقال: هيهات، كلَّا واللَّه لا ألقاه في هذا أبدا(٦)، فلقد لقيني في بعض فجاج مكَّة فقال: يا طليحة، أقتلت عكاشة(٧)؟! فتوعّدني وعيدا ظننت أنّه قاتلي، ولا آمنه. / قال عمرو:
  لكنّي ألقاه. قال: أنت وذاك. فخرج إلى المدينة فقدم على عمر ¥ وهو يغدّي الناس وقد جفّن لعشرة عشرة، فأقعده عمر مع عشرة فأكلوا ونهضوا، ولم يقم عمرو، فأقعد معه تكملة عشرة [فأكلوا ونهضوا ولم يقم عمرو، فأقعده مع عشرة](٨) حتّى أكل مع ثلاثين ثم قال، فقال: يا أمير المؤمنين إنّه كانت لي مآكل في الجاهلية منعني منها الإسلام، وقد صررت في بطن صرّتين وتركت بينهما هواء فسدّه. قال: عليك حجارة من حجارة الحرّة فسدّه به يا عمرو، إنّه بلغني أنّك تقول إنّ لي سيفا يقال له الصمصامة، وعندي سيف أسمّيه المصمّم، وإني إن وضعته بين أذنيك لم أرفعه حتّى يخالط أضراسك.
(١) أرحبية: نسبة إلى بني أرحب بطن من همدان، أو أرحب موضع أو فحل تنسب إليه تلك العجائب.
(٢) الجبيرة: السوار من الذهب أو الفضة. س: «حبيرة» صوابه في سائر النسخ.
(٣) نخيلة هو ما ورد في ها، وفي مط «خبيئة علم». وفي ط، مب «يحمه» مهملة وفي أ: «نخيبة» وفي سائر النسخ «تحية علم».
و «يكن» و «يعرف» هي بالتاء في س.
(٤) هذا البيت ساقط من ج. ما عدا ط: «يقول» لكن في مط: «تقول».
(٥) هذه الكلمة من ط، مط، مب.
(٦) ما عدا ط، مط، مب: «كلا واللَّه ألقاه في هذا المعنى أبدا» محرف.
(٧) في الأصول ما عدا مط، مب: «أقبلت»، تحريف. وفي «الإصابة» ٤٢٨٣: «وهرب طليحة إلى الشام ثم أحرم بالحج فرآه عمر فقال: إني لا أحبك بعد قتل الرجلين الصالحين: عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، وكانا طليقين لخالد، فلقيهما طليحة وسلمة فقتلاهما». وسلمة، هو أخو طليحة بن خويلد الأسدي.
(٨) هذه التكمة من ط، مط، مب.