كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر عمرو بن معديكرب وأخباره

صفحة 148 - الجزء 15

  صالح يوم القادسية، عظيم الغناء، شديد النّكاية للعدوّ. فقيل له: فقيس بن مكشوح؟ فقال: هذا أبذل لنفسه من قيس، وإنّ قيسا لشجاع.

  موت عمرو

  أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري، قال: حدثنا عمّر بن شبة وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة.

  ونسخت هذا الخبر من رواية ابن الكلبي خاصة: حدثني أسعر بن عمرو بن جرير، عن خالد بن قطن قال: حدّثني من شهد موت عمرو بن معد يكرب، والرواية قريبة، وحكايتا عمر بن شبّة وابن قتيبة عن أنفسهما ولم يتجاوزاها، قالا:

  كانت مغازي العرب إذ ذاك الريّ ودستبى⁣(⁣١)، فخرج عمرو مع شباب من مذحج حتّى نزل الخان الذي دون روذة، فتغدّى القوم ثم ناموا، وقام كلّ رجل منهم لقضاء حاجته، وكان عمرو إذا أراد الحاجة لم يجترئ أحد أن يدعوه وإن أبطأ، فقام الناس للرحيل وترحّلوا إلَّا من كان في الخان الذي فيه عمرو، فلما أبطأ صحنا به: يا أبا ثور.

  فلم يجبنا وسمعنا علزا⁣(⁣٢) شديدا، ومراسا في الموضع الذي دخله، وقصدناه فإذا به محمرة عيناه، مائلا شدقه مفلوجا، فحملناه على فرس وأمرنا غلاما شديد الذّراع فارتدفه ليعدل ميله، فمات بروذة ودفن على قارعة الطريق.

  رثاء امرأته الجعفية له

  فقالت امرأته الجعفية ترثيه:

  /

  لقد غادر الركب الذين تحمّلوا ... بروذة شخصا لا ضعيفا ولا غمرا

  فقل لزبيد بل لمذحج كلَّها ... فقدتم أبا ثور سنانكم عمرا

  / فإن تجزعوا لا يغن ذلك عنكم ... ولكن سلوا الرحمن يعقبكم صبرا

  شعره في أخته ريحانة لما سباها الصمة

  والأبيات العينية التي فيها الغناء، وبها افتتح ذكر عمرو⁣(⁣٣)، يقولها في أخته ريحانة بنت معد يكرب لمّا سباها الصّمة بن بكر، وكان أغار على بني زبيد في قيس فاستاق أموالهم وسبى ريحانة، وانهزمت زبيد بين يديه، وتبعه عمرو وأخوه عبد اللَّه ابنا معد يكرب، ثم رجع عبد اللَّه واتّبعه عمرو.

  فأخبرنا أبو خليفة عن محمد بن سلام أنّ عمرا اتّبعه يناشده أن يخلَّي عنها، فلم يفعل، فلما يئس منها ولَّى وهي تناديه بأعلى صوتها: يا عمرو! فلم يقدر على انتزاعها، وقال:

  أمن ريحانة الدّاعي السّميع ... يؤرّقني وأصحابي هجوع

  سباها الصّمّة الجشميّ غصبا ... كأنّ بياض غرّتها صديع⁣(⁣٤)


(١) كذا على الصواب في أ، ها. وفي ط، مط، مب: «دستي» وسائر النسخ «دستي». وانظر ما سبق في ص ٢١٤.

(٢) العلز، بالتحريك: الكرب والقلق عند الموت.

(٣) انظر ما سبق في ص ٢٠٧.

(٤) الصديع: الفجر؛ لانصداعه وانشقاقه.