رجع الخبر إلى سياقة خبر عمرو
  لأمير المؤمنين؟ فقال: سهو وقع فلا تكتب به. وفعل مثل ذلك في الجمعة الثانية، وقال لعون: لا تكتب به، وفعله في الجمعة الثالثة فقال له عون: إنّ كتب التجّار لا تنقطع / من بغداد، وإن اتّصل هذا الخبر بأمير المؤمنين من غيرنا لم آمن أن يكون سبب زوال نعمتي. فقال: اكتب بما أحببت. فكتب إلى المأمون بالخبر، فلما وصل كتابه دعا بأحمد بن أبي خالد وقال: إنّه لم يذهب عليّ احتيالك علي في أمر طاهر، وتمويهك له، وأنا أعطى اللَّه عهدا لئن لم تشخص حتّى توافيني به كما أخرجته من قبضتي وتصلح ما أفسدته عليّ من أمر ملكي لأبيدنّ غضراءك(١)! فشخص أحمد وجعل يتلَّوم في الطريق(٢)، ويقول لأصحاب البرد(٣): اكتبوا بخبر علَّة أجدها. فلما وصل الريّ لقيته الأخبار ووافاه رسل طلحة بن طاهر بوفاة طاهر، فأغذّ السير حتّى قدم خراسان، فلقيه طلحة على حدّ غفلة(٤) فقال له أحمد: لا تكلَّمني ولا ترني وجهك فإنّ أباك عرّضني للعطب وزوال النعمة، مع احتيالي له وسعي كان في محبّته. فقال له: أبي قد مضى لسبيله ولو أدركته لما خرج عن طاعتك، وأمّا أنا فأحلف لك بكلّ ما تسكن به نفسك(٥) وأبذل كلّ ما عندي من مال وغيره، فاضمن له عنّي حسن الطاعة، وضبط الناحية، والإخلاص في النصيحة. فكتب أحمد بخبره وخبر طاهر وخبر طلحة إلى المأمون، وأشار بتقليده، فأنفذ المأمون إليه اللواء والخلع والعهد، وانصرف أحمد إلى مدينة السلام.
  هجاء ابن هرمة لرجل من قريش وفيه اجتلاب بيت لعمرو
  أخبرني وكيع قال حدّثني هارون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال: حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه قال:
  مدح ابن هرمة رجلا من قريش فلم يثبه، فقال له ابن عمّ له: لا تفعل، فإنه شاعر مفوّه. فلم يقبل منه، فقال فيه ابن هرمة:
  /
  فهلَّا إذ عجزت عن المعالي ... وعمّا يفعل الرجل القريع(٦)
  أخذت برأي عمرو وحين ذكىّ ... وشبّ لناره الشرف الرفيع
  إذا لم تستطع شيئا فدعه ... وجاوزه إلى ما تستطيع
  مما قاله في أخته ريحانة مما يتغنى به
  ومما قاله عمرو بن معد يكرب في ريحانة أخته، وغنّي فيه، قوله:
  /
  هاج لك الشوق من ريحانة الطربا ... إذ فارقتك وأمست دارها غربا(٧)
  ما زلت أحبس يوم البين راحلتي ... حتّى استمروا وأذرت دمعها سربا(٨)
(١) الغضرا: النعمة والخير وسعة العيش.
(٢) التلوم: التلبث والانتظار.
(٣) البرد: جمع بريد.
(٤) حد كل شيء: نهايته. وكذا وردت العبارة في ط، أ، ها، مط، مب. وفي سائر النسخ: «على حين غفلة».
(٥) أشير في ط إلى أنها في نسخة: «بكل يمين تسكن إليها».
(٦) القريع: السيد والرئيس.
(٧) الغرب، بضمتين: الغريب، وذكره لتأويل الدار بالمنزل.
(٨) أذرت: أرسلت. س: «درت». تحريف. والسرب: السائل.