كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر هاشم بن سليمان وبعض أخباره

صفحة 170 - الجزء 15

  لما مات رسول اللَّه خرج الحطم بن ضبيعة، في بني قيس⁣(⁣١) بن ثعلبة ومن اتّبعه من بكر بن وائل على الردّة، ومن تأشّب [إليه]⁣(⁣٢) من غير المرتدّين ممن لم يزل كافرا، حتّى نزل القطيف وهجر، واستغوى [الخطَّ و]⁣(⁣٢) من كان بهما من الزّطَّ والسيابجة، وبعث بعثا إلى دارين فأقا [موا]⁣(⁣٢) له ليجعل عبد القيس بينهم وبينه، وكانوا مخالفين له يمدّون [المنذر و]⁣(⁣٢) المسلمين، وأرسل إلى الغرور بن سويد / بن المنذر بن أخي النعمان بن المنذر، فقال له: أثبت فإني إن ظفرت ملَّكتك البحرين، حتّى تكون كالنّعمان بالحيرة. وبعث إلى رواثا وقيل إلى جؤاثا، فحاصرهم وألح عليهم، فاشتدّ الحصار على المحصورين من المسلمين، وفيهم رجل من صالحي المسلمين يقال له عبد اللَّه بن حذف، أحد بني أبي بكر بن كلاب، فاشتدّ عليه وعليهم الجوع حتّى كادوا يهلكون، فقال عبد اللَّه بن حذف:

  شكوى المحصورين من المسلمين إلى أبي بكر

  ألا أبلغ أبا بكر رسولا ... وفتيان المدينة أجمعينا

  فهل لكم إلى قوم كرام ... قعود في جؤاثا محصرينا

  / كأنّ دماءهم في كل فج ... شعاع الشمس يعشى الناظرينا

  توكَّلنا على الرّحمن إنا ... وجدنا النّصر للمتوكلينا

  قتال أهل الردة بالبحرين

  حدّثني محمد بن جرير قال كتب إلى السريّ بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم، عن سيف بن عمر، عن الصقعب⁣(⁣٣) بن عطية بن بلال، عن سهم بن منجاب، عن [منجاب]⁣(⁣٤) ابن راشد قال:

  بعث أبو بكر العلاء بن الحضرمي على قتال أهل الردّة بالبحرين، فتلاحق به من لم يرتدّ من المسلمين⁣(⁣٥)، وسلك بنا الدّهناء حتّى إذا كنا في بحبوحتها أراد اللَّه ø أن يرينا آية، فنزل العلاء وأمر الناس بالنزول، فنفرت الإبل في جوف الليل، فما بقي بعير ولا زاد ولا مزاد⁣(⁣٦) ولا بناء - يعني الخيم قبل أن يحطَّوا - فما علمت جمعا هجم عليه من الغمّ ما هجم علينا، وأوصى بعضنا إلى بعض، ونادى منادي العلاء: اجتمعوا. فاجتمعنا إليه فقال:

  ما هذا الذي ظهر فيكم وغلب عليكم؟ فقال الناس: / وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحم شمسه حتّى نصير حديثا. فقال: أيّها الناس، لا تراعوا، ألستم مسلمين؟ ألستم في سبيل اللَّه؟ ألستم أنصار اللَّه؟ قالوا: بلى. قال:

  فأبشروا، فو اللَّه لا يخذل اللَّه تبارك وتعالى من كان في مثل حالكم. ونادى المنادي بصلاة الصبح حين طلع الفجر، فصلَّى بنا ومنا المتيّمم ومنا من لم يزل على طهوره، فلما قضى صلاته جثا لركبتيه، وجثا الناس معه، فنصب⁣(⁣٧) في


(١) في الطبري (٣: ٢٥٥): «أخو بني قيس».

(٢) التكملة من الطبري. وتأشبوا: تجمعوا من هاهنا وهنا.

(٣) في «الطبري»: «الصعب».

(٤) التكملة من أ، مب والطبري.

(٥) اختزل أبو الفرج قدرا كبيرا من نص الطبري في أول هذا الخبر.

(٦) كذا في الطبري. وفي الأصول ما عدا مب، ها: «مراد» بالراء المهملة.

(٧) نصب ينصب في الدعاء، إذا تعب فيه واجتهد. وبه فسر قوله تعالى: {فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} أي اتعب في الدعاء.