كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر هاشم بن سليمان وبعض أخباره

صفحة 172 - الجزء 15

  ليلتئذ، وجعل الحطم يقول ذلك لمن لا يعرفه حتّى مرّ به قيس بن عاصم فقال له ذلك فعرفه، فمال عليه فقتله⁣(⁣١)، فلما رأى فخذه نادرة⁣(⁣٢) قال: وا سوأتاه! لو عرفت الذي به لم أحرّكه. وخرج المسلمون، بعد ما أحرزوا الخندق، على القوم يطلبونهم، فاتّبعوهم فلحق قيس بن عاصم أبجر، وكان فرس أبجر أقوى من فرس قيس، فلما خشي أن يفوته طعنه في العرقوب فقطع العصب وسلم النّسا. فقال عفيف بن المنذر في ذلك:

  فإن يرقأ العرقوب لا يرقأ النّسا ... وما كلّ من تلقى بذلك عالم

  ألم تر أنّا قد فللنا حماتهم ... بأسرة عمرو والرّباب الأكارم

  وأسر عفيف بن المنذر، الغرور بن أخي النعمان بن المنذر، فكلَّمته الرّباب فيه وكان ابن أختهم⁣(⁣٣) وسألوه أن يجيره، فجاء به إلى العلاء قال: إنّي أجرته. قال: ومن هو؟ قال: الغرور. قال العلاء: أنت غررت هؤلاء؟ قال:

  أيّها الملك أنّي لست بالغرور، ولكنّي المغرور. قال: أسلم. فأسلم وبقي بهجر. وكان الغرور اسمه، ليس بلقب.

  وقتل العفيف أيضا المنذر بن سويد⁣(⁣٤) أخا الغرور لأمّه، وكان له يومئذ بلاء عظيم فأصبح العلاء يقسّم الأنفال، ونفّل رجالا من أهل البلاء ثيابا، [فكان فيمن نفّل / عفيف بن المنذر، وقيس بن عاصم، وثمامة بن أثال. فأما ثمامة فنفّل ثيابا]⁣(⁣٥) فيها خميصة ذات أعلام⁣(⁣٦)، وكان الحطم يباهي فيها. وباع الباقي، وهرب الفلّ إلى دارين فركبوا إليها السّفن، فجمعهم اللَّه ø بها، وندب العلاء الناس إلى دارين، وخطبهم فقال: إنّ اللَّه ø قد جمع لكم أحزاب الشيطان، وشذّاذ الحرب⁣(⁣٧) في هذا اليوم⁣(⁣٨)، وقد أراكم من آياته في البرّ لتعتبروا بها في البحر، فانهضوا إلى عدوّكم ثم استعرضوا البحر إليهم، فإنّ اللَّه جل وعزّ قد جمعهم به. فقالوا: نفعل ولا نهاب واللَّه بعد الدهناء هولا⁣(⁣٩) ما بقينا! فارتحل وارتحلوا حتى أتى ساحل البحر فاقتحموا على الخيل، هم والحمولة والإبل والبغال، الراكب والراجل⁣(⁣١٠)، ودعا ودعوا، وكان [دعاؤه و]⁣(⁣١١) دعاؤهم: يا أرحم الراحمين، يا كريم يا حليم، يا صمد يا حيّ يا محيي الموتى، يا حيّ يا قيوم، لا إله إلا أنت يا ربّنا فأجازوا ذلك الخليج بإذن اللَّه، يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر أخفاف الإبل، وبين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر. ووصل المسلمون إليها فما تركوا من المشركين بها مخبرا⁣(⁣١٢)، وسبوا الذّراري، واستاقوا الأموال، فبلغ من ذلك نفل الفارس من


(١) ح: «فمات عليه» وأثبت ما في ها، مب وفي سائر النسخ: «فصلت عليه»، صوابهما من الطبري (٣: ٢٥٨).

(٢) نادرة: ساقطة. في «الأصول»: «نادرا» والفخذ مؤنثة. وجاء على الصواب في الطبري.

(٣) الطبري: «وكان أبوه ابن أخت القوم».

(٤) وقتل، هي في أ: «وقيل» وفي سائر النسخ: «وكان»، صوابها من ها، مب والطبري. وكلمة «أيضا» هي فيما عدا ح، أ، ها، مب «بن». وهذه الكلمة ليست في الطبري.

(٥) التكملة من «تاريخ الطبري» (٣: ٢٥٩).

(٦) الخميصة: كساء أسود مربع له علمان.

(٧) في الطبري: «وشرد الحرب».

(٨) في الطبري: «البحر».

(٩) في «الأصول»: «هؤلاء»، صوابه من «الطبري».

(١٠) في الطبري: «فاقتحموا على الصاهل والجامل والشاحج والناهق، الراكب والراجل».

(١١) التكملة من الطبري.

(١٢) مخبرا، أي أحدا يخبر بما كان. يريد أنهم استأصلوهم.