ذكر عمرو بن بانة
  استغاثة بني معن بمندل وحيان لذلك
  أخبرني محمد بن يحيى عن جبلة بن محمد قال حدّثني أبي قال: [لمّا](١) هجا أبو العتاهية بني معن فمضوا إلى مندل وحيان(٢) ابني عليّ العنزبّين الفقيهين، وكانا من سادات أهل الكوفة، وهما من بني عمرو بن عمرو، بطن من يقدم بن عنزة(٣)، فقالوا لهما: نحن بيت واحد وأهل ولا فرق بيننا(٤)، وقد أتانا من مولاكم هذا ما لو أتى من بعيد الولاء لوجب أن تردعاه. فأحضرا أبا العتاهية ولم يكن يمكنه الخلاف عليهما، فأصلحا بينه وبين عبد اللَّه ويزيد ابني معن، وضمنا عنه خلوص النية، وعنهما ألَّا يتتّبعاه / بسوء، وكانا ممن لا يمكن خلافهما، فرجعت الحال إلى المودّة والصفاء، وجعل الناس يعذلون أبا العتاهية فيما فرط منه، ولامه آخرون على صلحه لهم، فقال:
  ما لعذّالي ومالي ... أمروني بالضلال
  عذلوني في اغتفاري ... لابن معن واحتمالي
  أنا منه كنت أكبى ... زندة في كل حال
  كلّ ما قد كان منه ... فلقبح من فعالي
  إنّما كانت يميني ... صرمت جهلا شمالي(٥)
  ماله بل نفسه لي ... وله نفسي ومالي
  قل لمن يعجب من حس ... ن رجوعي وانتقالي
  قد رأينا ذا كثيرا ... جاريا بين الرجال
  ربّ وصل بعد صدّ ... وقلى بعد وصال
  رثاء أبي العتاهية لزائدة بن معن
  / أخبرني محمد بن يحيى قال حدّثنا محمد بن موسى قال:
  كان أبو العباس زائدة بن معن صديقا لأبي العتاهية، ولم يعن أخويه عليه، فمات فرثاه فقال:
  حزنت لموت زائدة بن معن ... حقيق أن يطول عليه حزني
  فتى الفتيان زائدة المصفّى ... أبو العباس كان أخي وخدني
  فتى قومي وأيّ فتى توارت ... به الأكفان تحت ثرى ولبن(٦)
  ألا يا قبر زائدة بن معن ... دعوتك كي تجيب فلم تجبني
  سل الأيام عن أركان قومي ... أصبت بهنّ ركنا بعد ركن(٧)
(١) هذه من ط، ها.
(٢) ما عدا ط، ها: «حبان» بالباء الموحدة.
(٣) كذا على الصواب في ها. وفي ح، «تقدم بن عنزة» وفي ط: «صدم بن عنزة» وسائر النسخ: «تقدم من عنزة».
(٤) ما عدا ط، ها: «نحن واحد وأهل بيت لا فرق بيننا».
(٥) صرمت: قطعت. ما عدا ط، ها: «ضربت».
(٦) اللبن بالكسر: جمع لبنة، بالكسر أيضا، وهي لغة في اللبنة كفرحة، وهي ما يضرب من الطين مربعا.
(٧) كذا على الصواب في ط، ها. وفي ج: «عن أن كان» وسائر النسخ: «عنى إن قومي».