كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله

صفحة 201 - الجزء 15

  قدم خالد بن الوليد البطاح فلم يجد عليه أحدا، ووجد مالك بن نويرة قد فرّقهم⁣(⁣١) في أموالهم ونهاهم عن الاجتماع، فبعث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام⁣(⁣٢)، فمن أجاب / فسالموه ومن لم يجب وامتنع فاقتلوه. وكان فيما أوصاهم أبو بكر: إذا نزلتم [منزلا]⁣(⁣٣) فأذّنوا وأقيموا، فإن أذّن القوم وأقاموا فكفّوا عنهم، وإن لم يفعلوا فلا شيء إلَّا الغارة. ثم اقتلوهم كلّ قتلة: الحرق فما سواه. فإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فسائلوهم⁣(⁣٤)، فإن هم أقرّوا بالزكاة قبلتم منهم، وإلَّا فلا شيء إلا الغارة ولا كلمة. فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر معه من بني ثعلبة بن يربوع، ومن بني عاصم⁣(⁣٥)، وعبيد، [وعرين]⁣(⁣٣)، وجعفر، واختلف السرية فيهم، وفيهم أبو قتادة. وكان ممن شهد أنّهم قد أذّنوا وأقاموا وصلَّوا. فلما اختلفوا فيهم أمر بحسبهم، في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، وجعلت تزداد بردا، فأمر خالد مناديا فنادى: «دافئوا أسراكم». وكان في لغة كنانة إذا قالوا: «دافأنا الرجل وأدفئوه، فذلك معنى اقتلوه من الدفء. فظنّ القوم أنّه يريد القتل فقتلوهم⁣(⁣٦). فقتل ضرار بن الأزور مالكا، فسمع خالد الواعية⁣(⁣٧)، فخرج وقد فرغوا منهم فقال: إذا أراد اللَّه أمرا أصابه. وقد اختلف القوم فيهم فقال أبو قتادة: هذا عملك.

  غضب أبي بكر لمقتل مالك

  فزبره خالد [فغضب]⁣(⁣٨) ومضى حتّى أتى أبا بكر، فغضب عليه أبو بكر حتّى كلَّمه عمر بن الخطاب فيه، فلم يرض إلا بأن يرجع إليه، فرجع إليه فلم يزل معه حتّى قدم المدينة، وقد كان تزوّج خالد أم تميم بنت المنهال⁣(⁣٩) وتركها لينقضي طهرها، وكانت العرب تكره النساء في الحرب وتعايره، / فقال عمر لأبي بكر: إنّ في سيف خالد رهقا، وحقّ عليه أن تقيده⁣(⁣١٠). وأكثر عليه في ذلك. وكان أبو بكر لا يقيد من عمّاله ولا من وزعته⁣(⁣١١)، فقال: هبه يا عمر تأوّل فأخطأ، فارفع لسانك عن خالد. وودى مالكا، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه، ففعل وأخبره خبره فعذره. وقبل منه، وعنّفه بالتزويج الذي كانت العرب تعيب عليه من ذلك.

  فذكر سيف عن هشام بن عروة عن أبيه قال: شهد قوم من السرية أنّهم أذّنوا وأقاموا وصلَّوا، وشهد آخرون أنه لم يكن من ذلك شيء فقتلوا. وقدم أخوه متمم ينشد أبا / بكر دمه ويطلب إليه في سبيهم، فكتب له بردّ السّبي، وألحّ عليه عمر في خالد أن يعزله وقال: إن في سيفه لرهقا! فقال له: لا يا عمر، لم أكن لأشيم سيفا سلَّه اللَّه على الكافرين.


(١) كذا في ها. وفي سائر الأصول: «ملك قد فرقهم». محرّف. وفي الطبري: «مالكا قد فرقهم».

(٢) في معظم الأصول: «برعاية الإسلام» ووجهه من الطبري وها.

(٣) هذه التكملة من الطبري.

(٤) س: «فسالموهم» وفي سائر النسخ: «فسلوهم». وأثبت الصواب من ها والطبري.

(٥) الطبري: «من بني عاصم» بدون واو قبلها.

(٦) هذا نهاية سقط مب الذي بدأ في ص ٢٨٠.

(٧) الواعية: الجلبة، والصراخ على الميت ونعيه. ح: «الراعية». وفي سائر النسخ ما عدا ها ومب: «الداعية» صوابها من النسختين والطبري.

(٨) هذه التكملة من الطبري.

(٩) في الأصول: «المهلب»، صوابه في الطبري، و «الإصابة». ٧٦٩ في ترجمة مالك بن نويرة. والمنهال هذا هو المنهال بن عصمة الرياحي، وهو الذي كفن مالكا في ثوبيه.

(١٠) الطبري: «فإن لم يكن هذا حقا حق عليه أن تقيده».

(١١) الوزعة: أصحاب السلطان. في جمهور الأصول: «من درعيه» والصواب من ها ومب والطبري.