ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله
  قال ابن سلام(١): فمن لا يعذر خالدا يقول: إنه قال لخالد: وبهذا أمرك صاحبك - يعني النبي ﷺ - وأنّه أراد بهذه القرشية. ومن يعذر خالدا يقول: إنّه أراد انتفاء من النبوّة، ويحتجّ بشعريه المذكورين آنفا. ويذكر خالد أن النبيّ / ﷺ لما وجّهه إلى ابن جلندى قال له: يا أبا سليمان، إن رأت عينك مالكا فلا تزايله أو تقتله.
  قال محمد بن سلام: وسمعني يوما يونس وأنا أرادّ التميمية في خالد وأعذره، فقال لي: يا أبا عبد اللَّه، أما سمعت بساقي أم تميم؟ يعني زوجة مالك التي تزوّجها خالد لما قتله - وكان يقال إنّه لم ير أحسن من ساقيها. قال:
  وأحسن ما سمعت من عذر خالد قول متمم بأنّ أخاه لم يستشهد. ففيه دليل على غدر خالد.
  إنشاد متمم أبا بكر شعرا في مقتل مالك
  أخبرنا اليزيدي قال: حدثنا الرياشي قال: حدّثني محمد بن الحكم البجلي عن الأنصاري قال:
  صلَّى متمم بن نويرة مع أبي بكر الصّبح، ثم أنشده قوله:
  نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... تحت الإزار قتلت يا ابن الأزور(٢)
  أدعوته باللَّه ثمّ قتلته ... لو هو دعاك بذمّة لم يغدر(٣)
  فقال أبو بكر: واللَّه ما دعوته ولا قتلته. فقال:
  لا يضمر الفحشاء تحت ردائه ... حلو شمائله عفيف المثزر
  ولنعم حشو الدّرع أنت وحاسرا ... ولنعم مأوى الطارق المتنوّر(٤)
  قال: ثم بكى حتّى سالت عينه، ثم انخرط(٥) على سية قوسه [متكئا](٦). يعني مغشيّا عليه.
  وصف متمم لأخيه مالك
  أخبرني اليزيدي قال حدّثنا الرياشي قال حدّثنى محمد بن صخر بن خلخلة قال:
  ذكر متمم بن نويرة أخاه في المدينة فقيل له: إنّك لتذكر أخاك، فما كانت صفته، أو صفه لنا؟ فقال: «كان(٧) يركب الجمل الثّفال(٨) في الليلة الباردة، يرتوي لأهله(٩) بين المزادتين المضرّجتين(١٠)، عليه الشّملة الفلوت(١١)، يقود الفرس الجرور(١٢)، ثم يصبح ضاحكا».
(١) في الأصول ما عدا «ها»، مب: «أبو سلام» والكلام لابن سلام في «الطبقات» ٨٠.
(٢) في «الكامل» ٧٦١: «خلف البيوت». وفي «الخزانة» (١: ٢٣٧): «فوق الكنيف».
(٣) ها، مب: «وإذا دعاك بربه لم يعذر».
(٤) «الكامل»: «كنت وحاسرا». «الخزانة»: «يوم لقائه».
(٥) «الكامل»: «ثم بكى وانحط على سية قوسه».
(٦) التكملة من ها، مب.
(٧) في «الكامل»: «كان واللَّه أخي في الليلة المظلمة ذات الأزيز والصراد». وانظر «البيان» (٣: ٢٥)، و «شروح سقط الزند» ٥٨٧.
(٨) الثفال، كسحاب: البطيء الذي لا يكاد ينبعث.
(٩) هذا الصواب من مب. وفي سائر النسخ: «يرتمي».
(١٠) المضرجتين: المشققتين. وفي «البيان» وها، مب: «النضوحين»، أي اللتين تنضحان الماء.
(١١) الشملة: كساء أو مئزر يتشح به. والفلوت: التي لا ينضم طرفاها لصغرها.
(١٢) الجرور: الذي لا يكاد ينقاد مع من يجنبه، إنما يجر الحبل.