كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر متمم وأخباره وخبر مالك ومقتله

صفحة 204 - الجزء 15

  قال ابن سلام⁣(⁣١): فمن لا يعذر خالدا يقول: إنه قال لخالد: وبهذا أمرك صاحبك - يعني النبي - وأنّه أراد بهذه القرشية. ومن يعذر خالدا يقول: إنّه أراد انتفاء من النبوّة، ويحتجّ بشعريه المذكورين آنفا. ويذكر خالد أن النبيّ / لما وجّهه إلى ابن جلندى قال له: يا أبا سليمان، إن رأت عينك مالكا فلا تزايله أو تقتله.

  قال محمد بن سلام: وسمعني يوما يونس وأنا أرادّ التميمية في خالد وأعذره، فقال لي: يا أبا عبد اللَّه، أما سمعت بساقي أم تميم؟ يعني زوجة مالك التي تزوّجها خالد لما قتله - وكان يقال إنّه لم ير أحسن من ساقيها. قال:

  وأحسن ما سمعت من عذر خالد قول متمم بأنّ أخاه لم يستشهد. ففيه دليل على غدر خالد.

  إنشاد متمم أبا بكر شعرا في مقتل مالك

  أخبرنا اليزيدي قال: حدثنا الرياشي قال: حدّثني محمد بن الحكم البجلي عن الأنصاري قال:

  صلَّى متمم بن نويرة مع أبي بكر الصّبح، ثم أنشده قوله:

  نعم القتيل إذا الرياح تناوحت ... تحت الإزار قتلت يا ابن الأزور⁣(⁣٢)

  أدعوته باللَّه ثمّ قتلته ... لو هو دعاك بذمّة لم يغدر⁣(⁣٣)

  فقال أبو بكر: واللَّه ما دعوته ولا قتلته. فقال:

  لا يضمر الفحشاء تحت ردائه ... حلو شمائله عفيف المثزر

  ولنعم حشو الدّرع أنت وحاسرا ... ولنعم مأوى الطارق المتنوّر⁣(⁣٤)

  قال: ثم بكى حتّى سالت عينه، ثم انخرط⁣(⁣٥) على سية قوسه [متكئا]⁣(⁣٦). يعني مغشيّا عليه.

  وصف متمم لأخيه مالك

  أخبرني اليزيدي قال حدّثنا الرياشي قال حدّثنى محمد بن صخر بن خلخلة قال:

  ذكر متمم بن نويرة أخاه في المدينة فقيل له: إنّك لتذكر أخاك، فما كانت صفته، أو صفه لنا؟ فقال: «كان⁣(⁣٧) يركب الجمل الثّفال⁣(⁣٨) في الليلة الباردة، يرتوي لأهله⁣(⁣٩) بين المزادتين المضرّجتين⁣(⁣١٠)، عليه الشّملة الفلوت⁣(⁣١١)، يقود الفرس الجرور⁣(⁣١٢)، ثم يصبح ضاحكا».


(١) في الأصول ما عدا «ها»، مب: «أبو سلام» والكلام لابن سلام في «الطبقات» ٨٠.

(٢) في «الكامل» ٧٦١: «خلف البيوت». وفي «الخزانة» (١: ٢٣٧): «فوق الكنيف».

(٣) ها، مب: «وإذا دعاك بربه لم يعذر».

(٤) «الكامل»: «كنت وحاسرا». «الخزانة»: «يوم لقائه».

(٥) «الكامل»: «ثم بكى وانحط على سية قوسه».

(٦) التكملة من ها، مب.

(٧) في «الكامل»: «كان واللَّه أخي في الليلة المظلمة ذات الأزيز والصراد». وانظر «البيان» (٣: ٢٥)، و «شروح سقط الزند» ٥٨٧.

(٨) الثفال، كسحاب: البطيء الذي لا يكاد ينبعث.

(٩) هذا الصواب من مب. وفي سائر النسخ: «يرتمي».

(١٠) المضرجتين: المشققتين. وفي «البيان» وها، مب: «النضوحين»، أي اللتين تنضحان الماء.

(١١) الشملة: كساء أو مئزر يتشح به. والفلوت: التي لا ينضم طرفاها لصغرها.

(١٢) الجرور: الذي لا يكاد ينقاد مع من يجنبه، إنما يجر الحبل.