كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

أخبار الحزين ونسبه

صفحة 222 - الجزء 15

  جزعه لبيع قينة أخرجت عن المدينة

  أخبرني الحرمي قال: حدّثني عمي عن الضحاك بن عثمان قال: حدّثني ابن عروة⁣(⁣١) بن أذينة قال:

  كان الحزين صديقا لأبي وعشيرا على النبيذ، وكان كثيرا ما يأتيه، وكان بالمدينة قينة يهواها الحزين ويكثر غشيانها، فبيعت وأخرجت عن المدينة، فأتى الحزين أبي وهو كثيب حزين كاتمه، فقال له أبي: مالك يا أبا حكيم؟ قال: أنا واللَّه يا أبا عامر كما قال كثيّر:

  لعمري لئن كان الفؤاد من الهوى ... بغى سقما إني إذا لسقيم⁣(⁣٢)

  سألت حكيما أين شطَّت بها النوى ... فخبّرني ما لا أحبّ حكيم

  فقال له أبي: أنت مجنون إن أقمت على هذا.

  أخبرني أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدّثنا الزّبير قال: حدّثني مصعب قال:

  مديحه لجعفر بن محمد حين كساه ليزور عبد اللَّه بن عبد الملك

  مرّ الحزين على جعفر بن محمد بن عبد اللَّه بن نوفل بن الحارث، وعليه أطمار، فقال له: يا ابن أبي الشعثاء، إلى أين أصبحت غاديا؟ قال: أمتع اللَّه بك، نزل عبد اللَّه بن عبد الملك الحرّة يريد الحجّ، وقد كنت وفدت إليه بمصر فأحسن إليّ. قال: أفما وجدت شيئا تلبسه غير هذه الثياب؟ قال: قد استعرت من أهل المدينة فلم يعرني أحد منهم غير هذه الثياب. فدعا جعفر غلاما فقال: ائتني بجبّة صوف، وقميص ورداء. فجاه بذلك فقال:

  أبل وأخلق. فلما ولَّى الحزين قال جلساء جعفر له: ما صنعت؟! إنّه يعمد إلى هذه الثياب التي كسوته إيّاها فيبيعها، ويفسد بثمنها. قال: ما أبالي إذا كافأته بثيابه ما صنع بها. فسمع الحزين قولهم وما ردّ عليهم، ومضى حتّى أتى عبد اللَّه بن عبد الملك فأحسن إليه وكساه. فلما أصبح الحزين أتى جعفرا ومعه القوم الذين لاموه بالأمس وأنشده:

  وما زال ينمو جعفر بن محمّد ... إلى المجد حتّى عبهلته عواذله⁣(⁣٣)

  وقلن له هل من طريف وتالد ... من المال إلَّا أنت في الحقّ باذله⁣(⁣٤)

  يحاولنه عن شيمة قد علمنها ... وفي نفسه أمر كريم يحاوله⁣(⁣٥)

  / ثم قال له: بأبي أنت وأميّ، سمعت ما قالوا وما رددت عليهم.

  هجاؤه لأبي بعرة

  أخبرني الحرمي قال حدّثنا الزبير قال حدّثني محمد بن الضحاك عن أبيه قال:


(١) ما عدا ح، مب، «ابن أبي عروة»، محرف.

(٢) بعاه يبعوه ويبعيه: أصاب منه ونال. قال:

صحا القلب بعد الإلف وارتد شأوه ... وردت عليه ما بعته تماضر

ح: «نعى» أ، م: «نفى»، صوابهما في س، ب. مب، ها، ف: «بغى».

(٣) عبهلته: تركته وأهملته. ف، مب: «جهلته».

(٤) الحق: واحد الحقوق، ما يحق على المرء ويجب.

(٥) في الأصول ما عدا مب، ها، ف: «قد علمتها» بالتاء.